فإن قلت : لا شكّ أنّه لو لا حجيّة خبر العادل كان مشمولا لعموم التعليل ، فنحن ندّعي أنّها متأخّرة رتبة عن هذا العموم ببيان أنّ وجوب التبيّن لكونه معلولا لهذه العلّة متأخّرة رتبة عنها ، فنقيضه الذي هو الحجيّة أيضا متأخّر عنها بقضيّة وحدة رتبة النقيضين ، فحيث لا حجيّة في رتبة التعليل أثّر التعليل أثره.
قلت : هذا خلط لمقام الثبوت بمقام الإثبات ؛ فإنّ قضيّة العليّة والمعلوليّة بحسب مقام الثبوت ما ذكرت ، وأمّا بحسب مقام الإثبات والتلفّظ وترتيب ترصيف المعاني في الذهن وانتقاشها تكون طبق الألفاظ ، فما كان في اللفظ مقدّما كان مقدّما في التصوّر والانتقاش ، ولا شكّ أنّ القضيّة الشرطيّة حسب الفرض في حدّ ذاتها لها دلالة تصوّريّة انتقاشيّة على المفهوم ، غاية ما في الباب أنّك تقول : إنّ هذا الظهور الانتقاشي يحتاج استقراره إلى تمام الكلام وحجيّته منتظرة لاستقراره.
فنقول : نعم الأمر كذلك ، لكن بعد ثبوت أصل هذا الظهور الانتقاشي من الصدر يلاحظ في الذيل ، فإن كان فيه ما ينافيه ولا يجامعه نرفع اليد عنه ، كما في قضيّة رأيت أسدا يرمي بالقوس ، وأمّا إذا لاحظناه غير مماس به ولا متعرّض لنفيه ولا إثباته فقهرا يستقرّ ما فهمناه تصوّرا من الصدر عند تمام الكلام.
فنقول : أيّ منافاة بين هذين الكلامين لو فرضناهما مستقلّين ، أعني قولك : لا تعمل بغير الحجّة وقولك : خبر العادل حجّة ، فإن فهمت في صورة الاستقلال منافاة فقل في صورة الاتّصال وكون أحدهما في الصدر والآخر في الذيل : إنّ أحدهما قرينة صارفة عن ظهور الآخر ، وأمّا بعد عدم المنافاة ـ كما هو الواضح ـ لعدم تعرّض الاولى لحجيّة شيء وعدمها فلا وجه للصرف.
فعلى هذا نحن نقول : لا شكّ أنّ العلّة وإن كانت مضيّقة لدائرة الموضوع في بعض الأحيان ، لكنّه ليس كالتقييد ، بمعنى أنّه لو شكّ في فرد من العام أنّه متّصف بالعلة أو لا ، يمكن الأخذ بالإطلاق أعني إطلاق قوله : لأنّهم عدول مثلا في قوله : أكرم العلماء لأنّهم عدول ، وإن كان يتوقّف في مشكوك العدالة من العلماء لو كان الكلام بصورة