فنقول : قد ادّعى المولى الجليل المولى محمّد كاظم الطوسي في حاشيته على رسائل شيخنا المرتضى قدسسرهما وحكى إصراره عليه في الدرس استحالة رادعيّة هذه الأدلّة ، ومحصّل ما أفاد في وجه الاستحالة أنّ هذه الأدلّة ليست بأزيد من عمومات قابلة للتخصيص ، فالعمل بعمومها في المقام أعني الظنّ الحاصل من الخبر الموثوق به وحجيّة ظهورها في هذا الفرد ـ حتى يحصل لها وصف الرادعيّة ـ يتوقّف على عدم حجيّة هذا الظن ؛ إذ لو كان حجّة كانت العمومات مخصّصة به ، فلا تتّصف بالرادعيّة ، فإذا توقّف عدم حجيّة هذا الظن أيضا على رادعيّة هذه الأدلّة كان دورا ، وحاصله توقّف رادعيّة الأدلّة على عدم حجيّة هذا الفرد ، وتوقّف عدم حجيّته أيضا على رادعيّتها ، هذا حاصل ما أفاده.
ولكنّك خبير بأنّه ممكن القلب ؛ لإمكان تقرير هذا الإشكال بعينه في طرف الحجيّة ، فنقول : حجيّة هذا الظن يتوقّف على عدم رادعيّة الأدلّة ، وعدم رادعيّتها أيضا متوقّف على حجيّة هذا الظن ، أمّا الأوّل فواضح ، وأمّا الثاني أعني : توقّف عدم رادعيّة الأدلّة على حجيّة هذا الظنّ فلأنّ تلك العمومات بطبعها مقتضية لشمول هذا الفرد أيضا ، والمفروض عدم المخصّص ، فتكون شاملة له ، فتكون رادعة ، فصحّ أن يقال : إنّ عدم رادعيّتها يتوقّف على حجيّة هذا الظنّ ، فإذا توقّف حجيّته أيضا على عدم رادعيّتها كان دورا محالا.
هذا مضافا إلى عدم لزوم الدور رأسا ، بيانه أنّه : إذا ورد دليلان متنافيا المضمون فمن شرط تنافي أحدهما للآخر ومعارضته معه أن لا يكون موضوع أحد الدليلين مقيّدا بعدم الآخر ، وإن شئت المثال فلاحظ دليل حرمة العمل بالقياس ، فإنّه عام أو مطلق شامل لحالتي الانفتاح والانسداد ، وأمّا الظنّ المستفاد حجيّته من نتيجة دليل الانسداد فهو وإن كان مطلق الظنّ ، لكن موضوعه مقيّد بعدم قيام دليل على المنع ، فنتيجة دليل الانسداد إنّما يثبت حجيّة الظنّ الذي لم يقم على منعه دليل من الشرع ، فلا يفيد حجيّة الظنّ القياسي ، مع أنّ دليل حرمة القياس ليس إلّا عموما أو إطلاقا