الممكن كون قطعه جهلا مركّبا ، ولكن لا يتّفق احتمال ذلك لنفس القاطع ، وأمّا لو استقرّ طريقة العقلاء على أمر فمن المحتمل خطائهم ، فحكم العقل حجّة شرعيّة في نفسه بلا حاجة إلى ضمّ شيء آخر ، وأمّا بناء العقلاء فلا يصير حجّة إلّا بعد إحراز الإمضاء من الشرع ، وأمّا بدونه فيحتمل خطائهم ، ومع الإمضاء كان الحجّة هو إمضائه.
قلت : نعم ولكن نحن نستكشف إمضاء الشارع بعدم ردعه ، فنجعل عدم ردعه دليلا على إمضائه وطريقا إليه ، ووجه طريقيّته أنّه بعد ما عرفت من أنّ مقتضى الفطرة هو العمل بالاطمئنان الحاصل من نقل النقلة ، فهم لو لم يصرفهم صارف فهم باقون على حسب فطرتهم ويعاملون مع الشارع معاملتهم مع سائر الموالي والأرباب ؛ فإنّ الله تعالى ربّ الأرباب ونبيّه صلىاللهعليهوآله مفترض الطاعة كسائر الموالي العرفيّة بنظرهم ، فكما يعملون في أحكام سائر الموالي وأوامرهم بالاطمئنان الحاصل لهم من النقل كذلك يعملون به في أحكام هذين الموليين ، فلو كان الموليان مخطّئين لهذه الطريقة لكان عليهما إعلام العبيد بذلك وصرفهم عمّا يمشونه بفطرتهم ، فحيث لم يعلما ولم يصرفا علم أنّهما راضيان بهذه الطريقة وممضيان لها.
فإن قلت : كيف لم يردعا وقد ورد في الآيات حرمة العمل بغير العلم وبالظّن ، وبهذا المعنى ينادي الأخبار أيضا بأعلى صوت ، أفلا يكفي في الردع مثل هذه النواهي البليغة الأكيدة ،؟ وبالجملة ، فنحن وإن كنّا نسلّم جريان بناء العقلاء على حجيّة الاطمئنان من الخبر إلّا أنّ موضوع حجيّة بناء العقلاء مقيّد بعدم ردع الشرع ، فالأدلّة الناهية عن العمل بغير العلم الواردة من الشرع واردة على بناء العقلاء ؛ لكونها ردعا ، فلا يبقى معها موضوع الحجيّة في بناء العقلاء.
قلت : لا بدّ لتوضيح دفع هذا الإشكال من التكلّم في صلاحيّة هذه الأدلّة للرادعيّة وعدمها.