فنحن وإن لم نقل بأنّ غاية الاصول هو الأعمّ من الإجمالي ، بل خصّصناه بالعلم التفصيلي فلا نقول بجريانه هنا لأجل المانع العقلي ، أو أنّ العلم الإجمالي بمخالفة أحد الأصلين هنا لا يوجب طرحهما ، غاية الأمر لمّا لم يمكن العمل بكليهما أيضا للزوم محذور المخالفة القطعيّة كان المكلّف مخيّرا في العمل بأحدهما ، بمعنى أنّ كلّا من الدعاء والجمعة مثلا أمره دائر بين كونه واجبا واقعيّا ، وبين كونه مصداقا للنقض الحرام ، فيتخيّر المكلّف في كليهما في الفعل الآخر.
قد يرجّح الأوّل بعدم الفرق بين المقام ومثال الإنائين أصلا ، فيجري هنا كلّ ما يجري هناك حرفا بحرف ، فإنّ وجه طرح الأصلين هناك أنّ العمل بكليهما يوجب المخالفة القطعيّة، والعمل بأحدهما بعينه ترجيح بلا مرجّح ؛ فإنّ نسبة الدليل إلى كليهما على السواء ، والعمل بأحدهما بعينه الذي مرجعه إلى التخيير في العمل بواحد منهما يكون بلا دليل ؛ فإنّ دليل الأصل مقتضاه جريان حكمه في مورده على التعيين ، فالتخيير يحتاج إلى دليل آخر عليه ، وهذا بعينه جار في المقام.
ولكنّه فاسد ، فإنّ الدليل الآخر على التخيير يكفي فيه حكم العقل أيضا ، ألا ترى أنّ الغريقين المتعذّر إنقاذ أحدهما مع إمكان الآخر حكم العقل فيه هو التخيير ، مع أنّ الدليل الدال على وجوب الإنقاذ له اقتضاء تعييني في وجوب إنقاذ هذا واقتضاء تعييني لوجوب إنقاذ ذاك.
وسرّ ذلك أنّه لو احرز أنّ الغرض والمقتضي في كليهما حال التعذّر أيضا موجود تام، فاحرز من حال المولى بواسطة إطلاق المادّة أنّ إنقاذ الغريق محبوب له من غير تقييد بحال ، فإنّه حينئذ يجب بحكم العقل أن لا يترك كلا غرضي المولى ، بل يبادر بدرك أحدهما.
وحينئذ فحيث لا يعلّم أنّ أيّا من الغرضين أهمّ بنظره كان مخيّرا في إنقاذ أيّهما شاء.
ثمّ من جملة المقتضيات هي العناوين التي رتّب عليها الحكم في الأدلّة ، حيث إنّ الظاهر كونها مقتضيات لأحكامها ومن جملتها عنوان المشكوك ، فقولنا : المشكوك