محكوم ببقاء حرمته السابقة مثلا ، أو محكوم بالترخيص ظاهر في كون الشكّ مقتضيا لذلك.
فإن قلت : الترخيص لا يكون باقتضاء المقتضي ، بل هو ناش عن الاقتضاء ، فالشكّ لا يمكن أن يكون مقتضيا للترخيص.
قلت : بل الترخيص تارة يكون من جهة عدم الاقتضاء كما في إباحة شرب الماء ، واخرى يكون من جهة المقتضى له كما في الترخيص الناشي عن العسر والحرج ، حيث إنّه من جهة اقتضاء العسر وتقدّم العناوين الثانوية على الأوليّة إنّما هو في خصوص الأوّل ، فلو صار شرب الماء منذورا أو محلوفا عليه خرج عن اللااقتضاء إلى الاقتضاء ، أمّا لو تعلّق الحلف أو النذر بأمر صار مباحا لأجل لزوم العسر من التكليف فيه كان من باب تزاحم المقتضيين.
ثمّ إنّ الشكّ من هذا القبيل أيضا مثلا المشكوك المائيّة والخمريّة مباح ، معناه أنّ الشكّ سبب للإباحة وإن كان المائع في الواقع خمرا.
وبالجملة ، فإذا استفدنا من أدلّة الاصول أنّ لموضوعها ـ أعني الشكّ ـ اقتضاء لحكمها ، ففي الموردين الذين علمنا بمخالفة حكم الأصل في أحدهما للواقع نعلم أنّ الشكّ في هذا مقتض لحكم الأصل ، والشكّ في ذاك أيضا مقتض له ، فإذا لم يمكن العمل بكليهما وجب بواحد منهما على التخيير ، فالتخيير وإن لم يكن مستفادا من الدليل الشرعي ، لكنّه مستفاد من الدليل العقلي.
وحينئذ نقول : لا بدّ في صحّة الأخذ بأحد المقتضيين على التخيير عند عدم إمكان الجمع بينهما أن لا يكون هنا مقتض آخر يقتضي خلافه ، كما في مثال إنقاذ الغريقين ، حيث إنّ المقتضي للإنقاذ الذي يؤتي به تخييرا يكون موجودا والمقتضي لعدمه ليس في البين ، ضرورة أنّه لو كان وكان أقوى كان هو المقدّم ، وإن لم يعلم الأقوائيّة لأحد الجانبين فالتخيير.
ومن هنا يظهر الفرق بين الأصلين في المقام وبينهما في مثال الإنائين المشتبهين ،