فإنّ هنا يكون الشكّ في بقاء الحرمة السابقة مثلا مقتضيا تعيينيّا لحرمة هذا والشكّ في بقاء الوجوب السابق في ذاك مقتضيا تعيينيّا لوجوب ذاك ، وهذا وإن كان موجبا للأخذ بالاقتضاء مهما أمكن ، فعند عدم إمكان الجمع يعيّن الأخذ بأحدهما ، إلّا أنّ هنا مقتضيا آخر يقتضي خلاف ما يقتضيه هذا المقتضي وهو العلم الإجمالي ، فإنّه لا شكّ أنّ العلم الإجمالي بالواقع مؤثّر ومقتض لإتيان الواقع ، وهذا مناف للعمل بأحد الأصلين.
فإن كان هذا المقتضي بنظر الشارع أقوى من اقتضاء الشكّ المذكور ، لا شكّ في أنّه يطلب من المكلّف حينئذ طرح الأصل والعمل على وفق علمه ، وإن كان اقتضاء الشكّ أقوى فلا شكّ أنّه يطلب من المكلّف العمل بالأصل في كلا الموردين ، وحيث إنّ المكلّف متحيّر ولا يعلم أقوائيّة أحدهما ولا عدمها كان نتيجة تحيّره التخيير بحكم العقل.
مثلا الشكّ في بقاء حرمة الدعاء مقتض للإلزام على تركه ، والشكّ في بقاء وجوب الجمعة مقتض للإلزام على فعله ، ولا يمكن إعمال كلا المقتضيين للزوم محذور المخالفة القطعية ، للعلم الإجمالي بصدور أحد الخبرين الدال أحدهما على وجوب الدعاء والآخر على حرمة الجمعة ، فيتحصّل من الأصل وهذا العلم إحراز ثلاث مجعولات شرعيّة في البين ، اثنان منهما الحكم الاستصحابي المفروض كون غايته خصوص العلم التفصيلي ، لا الأعمّ منه ومن الإجمالي ، فإطلاق المادّة يقتضي أنّ هنا استصحابين مجعولين ، والمجعول الثالث مضمون أحد الخبرين المقطوع صدور أحدهما.
فإن قلت : كيف يمكن وجود الإرادتين مع وجود الإرادة الواقعيّة بالخلاف ، ولو فرض أنّه ليس تناقضا في الإرادة فلا شبهة في كونه تناقضا بحسب مقام الأثر.
قلت : يأتي إن شاء الله تعالى في مبحث الشكوك ما يندفع به هذا الإشكال ، وبالجملة ، فيدور أمر المكلّف في كلّ من الفعلين بين الوجوب والحرمة مع عدم إحراز