__________________
ـ بمعنى أنّ الشارع بما هو عاقل يمكن أن يرى أنّ في الامتثال الحرجي محذورا أشدّ من محذور ترك الموافقة القطعيّة يقصر عن دركه سائر العقول ، فإن أرشد العباد إلى ذلك لا يعدّ هذا منه نقضا لغرضه ، فإنّه إنّما يطلب الواقعيّات بما هو شارع ، وإرشاده في مقام امتثالها إلى ترك الموافقة القطعيّة من جهة ملاحظة المزاحمات والكسر وفحينئذ فقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) لا مانع من الاخذ به بتقريب أنّ الله بنظر الشارعيّة والعاقليّة معا لا يرضى بوقوع العباد في العسر.
الوجه الثاني : بالتصرّف في الواقعيات ، بمعنى أنّ الواقعيات من حيث القيود الراجعة إلى غرض الشارع فعليّة ، ولكنّها بالنظر إلى الطواري والمزاحمات الحاصلة بملاحظة الجمع بين هذه الأغراض وغرض آخر للمولى ليست بفعليّة ، ومن تلك الطواري الحرج الطاري على نفس تلك الواقعيّات في مقام الامتثال ، وبالجملة ، حال الواقعيات مع عموم لا حرج بالنسبة إلى الحرج الحاصل في مقام الامتثال وتحصيل الموافقة القطعيّة حال دليل حليّة الغنم مع دليل حرمة الغصب.
وحينئذ نقول : أمر هذا الشخص دائر بين أن يهمل جميع الوقائع حتى يقطع بفوت ذلك الغرض الذي يهتمّ لأجله المولى ، وبين أن يتحرّك نحوه بمقدار لا ينافي حفظ غرضه الآخر الأهمّ وهو عدم وقوع عبده في الحرج ، فالعقل مستقلّ بالثاني ، ولا يقال : إنّه حيث لا يعلم لعلّه يقع تمام موارد التكليف في ما يتركه لأجل الحرج ، وحينئذ ليس التكاليف فعليّة ، فهو شاك في التكليف الفعلي ، فيجري في حقّه قبح العقاب بلا بيان ، فإنّه ليس الموضوع للتنجيز العقلي القطع بالتكليف الفعلي وإلّا لاجرى البراءة في الشكّ في القدرة ، بل العقل مستقلّ بالتنجيز في موارد القطع بثبوت الغرض للمولى ، ولو شكّ في التكليف الفعلي ، وإن شئت قلت في المقام : إنّ الجمع بين الغرضين للمولى ممّا يحكم به العقل ، فإن أمكن على نحو القطع فهو ، كما لو علم بمبغوضيّة شرب الخمر للمولى ومحبوبيّة برء المرض له ، وتوقّف برء مرض العبد على واحد من شرب الخمر أو السكنجبين ، فإنّ العقل قاطع بعلاج المرض بالسكنجبين ، وفي مقامنا لا يمكن حفظ الغرضين بالقطع ، لكن يمكن بطريق الظن فيجب بحكم العقل ، والسرّ ما ذكرنا من عدم توقّف التنجيز العقلي على إحراز فعليّة التكليف بعد إحراز أصل غرض المولى الذي صار ـ