اللفظيّة من مثل قوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) هي دعوى عدم شمول هذه الأدلّة اللفظيّة لهذا المقام ، فإنّ مفاد نفي الحرج بحسب جعل الشارع أنّ جعل الشارع أمرا ونهيا ليس متعلّقا بما فيه العسر والحرج ، وهذا لا ينافي أن يكون الحرج حاصلا لا بجعله ، بل كان جعله خاليا عن الحرج ، ولكن طرأ عليه العسر بواسطة جهل المكلّف مع ضميمة حكم العقل ، فإنّ التكاليف المجعولة بحسب الواقع ليس بحدّ كان في امتثالها الحرج ، ولكن لمّا جهل بها المكلّف وتردّدت عنده بين امور كثيرة أوجب حكم عقله بوجوب الاحتياط الحرج عليه.
وإن شئت توضيح ذلك بالمثال ، مثلا لو تردّد القبلة في أربع جهات وانحصر الساتر في النجس وتردّد حكم البسملة بين الجهر والإخفات ، فمراعاة الاحتياط موجب لإتيان ستّ عشرة صلاة ، مع أنّ المجعول فيها صلاة واحدة.
والحاصل أنّ وجوب تمام الأطراف ليس بجعل الشارع ، بل بعضها ، ووجوب الباقي جاء من قبل الجهل وحكم العقل بالاحتياط ، فيصدق أنّ الشارع ما جعل على المكلّف حرجا.
__________________
ـ بصدد تحصيله من العبد ، ومن هنا تبيّن أنّ تقديم الظنّ على غيره من باب الحكومة العقليّة.
فإن قلت : يلزم على ما ذكرت في صورة الاضطرار إلى الواحد المعيّن قبل حدوث العلم الإجمالي كون العلم الإجمالي منجّزا ، مع أنّك معترف في ما يأتي بعدم التنجيز ، والفرق بينه وبين الاضطرار إلى غير المعيّن.
قلت : الفرق بين الصورتين ظاهر ، فإنّه مع الاضطرار إلى الواحد لا بعينه يكون الغرض مطلقا ، فلهذا يسأل الله أن يدفع عنده الاضطرار بغير مورد غرضه ، وأمّا في الصورة الاخرى فلا يحرز هنا غرض مطلق للمولى ؛ إذ لعلّ مورد الغرض هذا الذي صار مضطرا إليه بعينه ، ليس له حالة الرجاء والاستيفاء من العبد ، فسقوط الغرض عن الإطلاق هنا يكون من أوّل حدوث الاضطرار ، وهناك بعد دفع الاضطرار خارجا بمورد الغرض.