والجواب أنّ هذا المعنى دقّة عقليّة ، وأمّا في فهم العرف فلا فرق بين القسمين ، فكما يفهمون من نفي جعل الحرج نفي الأمر أو النهي الذي نفس امتثاله حرج ، كذلك يفهمون نفي الأمر أو النهي الذي يصير منشأ للحرج بعد جهل المكلّف.
نعم فرق بين جعل الشارع الحرج وبين جعل المكلّف إيّاه والتزامه له على نفسه ، مثل أن ينذر الحجّ ماشيا مع كونه شاقّا عليه ، أو يؤجر نفسه للعمل الشاقّ ، فإنّ أدلّة الوفاء بالعقود لا مانع من شموله لهذا المقام ، ولا معارضة له مع دليل نفي الحرج ، فإنّ المنفي هو أن يكون الحرج مجعولا من قبل الشارع بالجعل الابتدائي ، وأمّا لو كان الجاعل له نفس المكلّف غاية الأمر لم يمنعه الشارع وأبقاه على جعله ، فلا يصدق أنّ الشارع جعل عليه الحرج ، ومن المعلوم أنّ المقام على تقدير وجوب الاحتياط ليس من هذا القبيل ، نعم لو نذر المكلّف أن يحتاط في جميع الوقائع المشتبهة كان منه ، فيكون خارجا عن تحت هذا الكبرى الشرعيّة ، وأمّا بدونه فمشمول لها بلا كلام.
وأمّا المقدّمة الثالثة : أعني عدم جواز إهمال الوقائع المشتبهة وترك التعرّض لها ، فالدليل عليه هو العلم الإجمالي ، وأمّا عدم وجوب الامتثال القطعى والترخيص في تركه ـ كما مرّ في المقدّمة الثانية ـ فليس بمانع من تأثير العلم الإجمالي في الأطراف الخالية عن الحرج.
بيان ذلك أنّ المختار هو حفظ فعليّة الواقع مع ورود الحكم الظاهري والجمع بين فعليّتهما بكون الظاهري في طول الواقعي كما مرّ تفصيله ، وعلى هذا يمكن حفظ العلم الإجمالي بالتكاليف الفعليّة مع الترخيص المذكور بدون منافاة لهذا الترخيص مع فعليّة المعلوم بالإجمال.
فإن قلت : نعم ، ولكن إذا ورد الترخيص من الشرع بارتكاب بعض الأطراف والمفروض احتمال كون الواقع في ضمنه ، فيكون الطرف الآخر شبهة بدويّة ، فلو كان الواقع فيه وارتكبه المكلّف كان العقاب عليه بلا بيان وحجّة.
قلت : الحجّة والبيان هو العلم الإجمالي ، والحاصل أنّ العلم الإجمالي إذا تحقّق