صار الحجّة على التكليف تامّة في كلا الطرفين ، فإذا ورد الترخيص في أحدهما فالحجّة بالنسبة إلى الآخر تامّة ، لبقاء العلم الإجمالي.
وبعبارة اخرى : أثر العلم الإجمالي شيئان : وجوب الموافقة القطعيّة ، وحرمة المخالفة القطعيّة ، فحكم العقل بالنسبة إلى الأوّل حكم تعليقي معلّق على عدم الأمن من العقاب ، فالترخيص الشرعي يرفع موضوعه ، وبالنسبة إلى الثاني حكم بتّي ، فالعقل قاطع بقبح المخالفة القطعيّة وقبح تجويزها ، فلو ارتكب مع الطرف المرخّص فيه الطرف الآخر لزم ذلك ، وبالجملة ، فعلى المبنى المذكور لا إشكال في إيجاب الاحتياط بقدر لا يحصل الحرج.
وحينئذ نقول : إذا جاء دفع الحرج بترك بعض المحتملات فهل يجوز دفعه بترك المظنونات والإتيان بالمشكوكات والموهومات؟ مقتضى حكم العقل بوجوب الخروج عن عهدة الواقعيات يعيّن دفع الحرج بترك المشكوكات والموهومات وإتيان المظنونات دون العكس؛ لكون الأوّل أقرب إلى امتثال الواقع ، فترجيح الثاني قبيح.
وبعبارة اخرى : تكون للموافقة بحسب العقل مراتب مرتّبة لا مجال للمرتبة اللاحقة مع إمكان السابقة ، فالاولى منها الموافقة القطعيّة ، فإذا تنزّلنا منها بالترخيص الشرعي تعيّن الموافقة الظنيّة ، ولا نتنزّل مع إمكانها إلى الشكيّة والوهميّة ، فإذا حصل التنزّل من الظنيّة تعيّن الشكيّة وبعدها الوهميّة ، فهذه هي المقدّمة الرابعة ، فتحصّل أنّ على مبنانا كان جميع المقدّمات تامّة على فرض تماميّة انسداد باب الظنّ الخاص بمعظم الأحكام.
بقي الكلام بناء على مبنى المولى الجليل المحقّق الخراساني طاب ثراه في الجمع بين الواقعي والظاهري ، فإنّه على هذا المبنى لا يمكن الجمع بين العلم الإجمالي بالأحكام الفعليّة مع الترخيص الشرعي ظاهرا في بعض الأطراف ، فإنّه لو أذن الشارع في شرب أحد الإنائين المشتبهين بالخمر مثلا فلو كان هو الخمر واقعا علم