يدّعيه الخصم أيضا بعينه ويقرّر الإجماع على مذهبه فيصير الإجماع تابعا لآراء المجتهدين ، ولا يخفى شناعته ، فنقول بمثله هاهنا وأنّ للأخباري قلب هذا الإجماع بأنّ يدعي أنّ الأخباريين والأصوليين متفقون على وجوب الاحتياط فيما لا نصّ فيه من الشبهة التحريمية على تقدير عدم تمامية أدلة البراءة عقلها ونقلها ، وهذا التقدير محقق عندي فوجوب الاحتياط إجماعي. وبالجملة لا حجية في الإجماع التقديري على ما بيّن في محلّه مع وجود الخلاف العظيم بالفعل (١).
وأما ثانيا : فلأنّ مثل هذا الإجماع غير كاشف عن رأي المعصوم (عليهالسلام) عندنا قطعا ، لأنّا نعلم أن سند المجمعين في قولهم هذا ليس إلّا حكم
__________________
(١) أقول : والذي أظن أنّ هذا الإيراد أجنبي عما في المتن من تقرير الإجماع ، إذ مراده ببيان أوفى وأبسط أنّ علماء الإمامية كلهم من الأصوليين والأخباريين مطبقون على قضية واحدة كلية وهي أنّه كل ما لم يرد من الشارع فيه دليل عقلي أو نقلي على حكمه من حيث هو ولم يصل أيضا منه بيان على حكمه من حيث إنه مجهول الحكم فحكمه البراءة ، وإنما وقع النزاع في تحقق مصداق موضوع هذه القضية في الشبهة التحريمة فيما لا نصّ فيه ، فيدعي الأخباري عدم تحقق الموضوع فيها لأنّ البيان قد وصل بالنسبة إلى حكمه من حيث إنه مجهول الحكم يعني أخبار الاحتياط مثلا وينكره الأصولي لعدم تمامية دلالة أخبار الاحتياط فيما أراده الأخباري ، فالمسألة من مصاديق القضية الإجماعية ولا غضاضة في الاستدلال بمثل هذا الإجماع.
ولنذكر مثالا لتوضيح صحة الاستدلال بمثل هذا الإجماع وهو أنا نفرض تحقق الإجماع على أنّ الحيوان البحري ميتته طاهرة مطلقا ولو كان ذا نفس سائلة وغير مأكول اللحم ، ولكن المجمعين مع ذلك اختلفوا في طهارة ميتة حيوان يؤتى ببيضته وتدخل في المعاجين الكبار والترياق الفاروق تسمى جندبيدستر لاختلافهم في أنّه بحري أو بري ، فإن أحرزنا أنه بحري نقول بطهارة ميتته تمسكا بالإجماع ، وليس هذا من الإجماع التقديري في شيء ، والاختلاف في تشخيص موضوع القضية الإجماعية لا يكون منشأ لأن تكون المسألة خلافية بالنسبة إلى الفرد المختلف في كونه من مصاديق الموضوع أم لا.