كما أنّ الأخباري يحكم بالاحتياط في مرحلة الظاهر للأدلة التي يعتقد صحّتها فليس شيئا منهما قولا بغير علم.
ثم لا يخفى أنّ ما مرّ مرارا من أنّ أغلب أدلة البراءة عقلها ونقلها ليست بحيث تعارضها أدلة الاحتياط ، بل هي من قبيل الأصل في المسألة وأدلة الاحتياط واردة عليها ، لو تمّت لا يمكن القول به في مثل هذا الدليل من أدلتهم ، بل الأمر في مثل هذا الدليل بالعكس فإنّ أدلة البراءة بأجمعها واردة عليه لو تمّت.
قوله : فبمنع منافاة الارتكاب للتقوى (١).
فإنّ التقوى من الوقاية ولا يزيد مدلولها عن حفظ النفس عن ضرر الوقوع في المعصية من العقاب أو المضارّ الذاتية الكامنة في الفعل غير العقاب ، ولا يتحقق هذا المعنى إلّا في معلوم الحكم لا المشتبه.
وإن أريد الاستدلال بمعونة قوله (حَقَّ تُقاتِهِ) و (حَقَّ جِهادِهِ) بتقريب أنّ حق التقوى هو البلوغ إلى غاية مراتب التقوى ولا يتحقق هذا المعنى إلّا بالاحتياط في موارد الشبهة أيضا وإدراك الواقعيات من التكاليف بأجمعها ، ففيه : أنّ هذا المعنى ليس ظاهر الآية ، بل يمكن أن يكون حق التقوى إشارة إلى إتيان جميع الواجبات وترك جميع المحرمات ، فإنّ امتثال بعض التكاليف أيضا من التقوى ، لكن الامتثال في الكل تمام التقوى وحقه.
ويمكن أن يكون المراد من حق التقوى مراعاة المندوبات والمكروهات أيضا ، مضافا إلى الواجبات والمحرمات كما حكي أنه ورد في بعض الأخبار (٢)
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٦٣.
(٢) البرهان ٥ : ١١٣ ـ ١١٦ ، نور الثقلين ٥ : ٩٦ ـ ١٠٠.