ثم لو فرض تشبث الخصم أعني الأخباري بالأدلة الشرعية على وجوب دفع الضرر المظنون بل المحتمل الدنيوي مثل قوله تعالى (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(١) أو الإجماع المدعى أو نحو ذلك ، ويثبت بذلك وجوب الاحتياط بالدليل الشرعي ، أمكن أن يجاب عنه مضافا إلى منع دلالة الأدلة المذكورة على عموم وجوب التحرّز عن احتمال المضار الدنيوية ، بأنّ الضرر الدنيوي لو كان مظنونا أو محتملا في نفسه مع قطع النظر عن احتمال الحرمة التعبدية نقول بوجوب التحرز عنه كاحتمال كون هذا المائع سمّا قاتلا مثلا ، ولا يمنع ذلك من إجراء أصالة البراءة في غيره من المشتبهات ، وإن كان احتمال الضرر الدنيوي من جهة احتمال الحرمة التابعة للمفسدة النفس الأمرية بناء على مذاق العدلية من أنّ الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد النفس الأمرية ، نمنع هذا الاحتمال في أغلب الموارد فإنّ المحرّمات المعلومة في الأغلب نعلم بعدم اشتمالها على المضرة الدنيوية ، مثلا نعلم أنّ ألف كرّ من الجلّاب لو لاقاه رأس إبرة من النجاسة سيّما النجاسة الحكمية لا يحدث به مضرة دنيوية موجبة لوجوب الاجتناب عن جميعها ، ألا ترى أن الكفار والمنافقين والعصاة من المؤمنين وهم أغلب الناس لا يصيبهم المضار الدنيوية بارتكاب المحرمات أزيد من المؤمنين المجتنبين عن المحرمات ، هذا ثم لا يخفى أنّ الدليل العقلي المذكور بهذا التقرير لو تمّ لا يعارض أدلة البراءة لو تمّت كما هو كذلك ، لأنّه أصل عند عدم الدليل على البراءة وهو واضح.
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٩٥.