مقدمة : وهي أنه هل يصحّ للشارع أن يكلّفنا بأمور متعددة لا يمكننا الاتيان بجميعها بالأوامر الإيجابية عينا أم لا؟ فنقول هذا على وجهين :
أحدهما : أن يكون العجز لبعض الطوارئ بالنسبة إلى بعض المكلّفين وبعض الأوقات والأحوال وإلّا فنفس المكلّف به في نفسه لا يعد من الممتنعات كما في أنقذ الغريق فقد يتّفق أنّ هناك غريقين لا يتمكن المكلّف إلّا من إنقاذ أحدهما ، والمفروض أن مصلحة إيجاب الانقاذ في كلّ منهما عينا تامة ، فنقول هاهنا يصحّ الإيجاب العيني بالنسبة إلى كل واحد غاية الأمر أنه لو اتّفق عجز المكلف عن الجميع يتخير بحكم العقل بينهما لو لم يكن أهمّ في البين ، وإلّا تعيّن عليه إتيان الأهم ، لكن لو خالف وأتى بغير الأهم فقد أتى بالواجب الواقعي ، فهو مكلّف بالجميع إلّا أنه غير معاقب على أزيد من المقدور لأنّه غير منجّز عليه وهذا كما في صحة تكليف الجاهل الغافل بعينه بناء على الحق من التخطئة فإنه مكلّف غير معاقب عليه وبيانه في محلّه.
وثانيهما : أن يكون العجز دائميا لا يمكن موافقة الأوامر بوجه أبدا ، فهذا لا يصح التكليف بها إلّا تخييرا ، ودعوى أنه يمكن أن يكون مصلحة الحكم في كل واحد منها تامة على وجه العيني كالقسم الأول ، مدفوعة بأنّ مصلحة كل منهما معارضة بمفسدة ترك الآخر ، وبعد ملاحظة ذلك ومزاحمة جهات المصالح والمفاسد والكسر والانكسار إما أن يرجّح أحدها إن كان أهمّ وإلّا فلا بد من التخيير بينها.
إذا عرفت ذلك في الواجبات تعرف الحال في المندوبات فإنها كالواجبات في هذا الحكم بعينها ، والظاهر أنّ مورد الإشكال فيها غالبا أو دائما من قبيل القسم الثاني ، فلا مناص عن الالتزام بالتخيير من أول الأمر شرعا ، إلّا