فإن قلت : قد علمنا بخروج الشبهة المحصورة عن العموم فيرجع الشك في المسألة إلى الشك في مصداق المخصّص فلا يتمسك فيه بالعموم.
قلت : الحق جواز التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية وبيانه موكول إلى محلّه ، ومن لا يجوّز ذلك يلزمه القول بأصالة الاشتغال بناء على ذلك المسلك.
بقي شيء قد أشرنا إليه في صدر عنوان المبحث وهو أنه لا فرق بين أن يكون الأصل في أطراف الشبهة هو الحلّ أو الحرمة في ظاهر كلماتهم ، فيجوز ارتكابها مطلقا مع أنّ الشبهة البدوية ليست كذلك فلا يحكم بالحلّ والجواز فيها إلّا فيما كان الأصل فيها ذلك وإلّا فيرجع إلى أصالة الحرمة ، ويبعد أن يكون الشبهة غير المحصورة مع العلم بوجود الحرام بين أطرافها أخفّ حكما من الشبهة البدوية ، منتهى الأمر أن يكون حكمها بعد إلغاء العلم الإجمالي حكم الشبهة البدوية. ويؤيده أن مقتضى ما اخترناه من الوجه الخامس أن يعدّ مثل هذا العلم الإجمالي كالعدم فيرجع الشبهة إلى الشبهة البدوية ، لكن يمكن توجيهه بأنّ المشتبه الكذائي بعد عدم اعتناء العقل والعرف للعلم الإجمالي الكذائي يعدّ معلوم الحلية بعد العلم بحلّية سائر الأطراف ، وهي بهذه الكثرة سوى واحد مثلا (١).
__________________
(١) إلّا أنّ هذا التوجيه لا ينفع فيما كان بقية الأطراف مشكوكة بالشبهة البدوية كما هو الغالب ، مثلا لو كان هناك مائة ألف جلد أو لحم يشك في تذكية حيوان كل واحد منها فيحكم بحرمة الجميع لأصالة عدم التذكية ، ولو فرض أنا علمنا بعد ذلك كون أحد الأطراف محرما لزم الحكم بحلية الجميع لصيرورته من الشبهة غير المحصورة وهذا مما لا يلتزم به أحد ، ولقد كان السيد الأستاذ (دام ظلّه) مصرّا على عدم الفرق بين كون الأصل في الأطراف هو الحلّ أو الحرمة ، مستشهدا بظواهر بعض الأخبار المتفرقة وظواهر كلمات الأصحاب ، ولمّا عرضت عليه النقض بالمثال المذكور سكت ولم يردّ جوابا وكأنه رجع عما أصرّ عليه ، فليتأمّل.