مثلا واتفق أنه كان الجميع واجبا عليه في الواقع لكنه لا يعلم بأزيد من واحدة منها استحق عقاب ترك كل واحد منها ، ولا ينفع جريان أصل البراءة في الزائد عن المعلوم للجهل به في دفع استحقاق العقاب على الواقع ، لأنه كان مكلّفا في الظاهر بإتيان الجميع ولم يفعل ، وهذا مصحّح للعقاب على ترك الواقع المجهول ، وبالجملة لا يعدّ الجهل بالواقع عذرا في تركه بعد فرض كونه واجب الاتيان ظاهرا ولو من باب المقدمة للواجب المعلوم في البين ، وقد تقدّم هذا المطلب غير مرّة في نظائر المقام في الشبهة التحريمية وفي مسألة التجرّي من رسالة القطع وغيره.
قوله : الرابع لو انكشف مطابقة ما أتى به للواقع قبل فعل الباقي (١).
هذا المطلب فيما لم يحتمل وجوب الزائد من المعلوم بالإجمال واضح ، وأما إذا احتمل كون سائر الأطراف أيضا واجبا وانكشف مطابقة ما أتى به للواجب الواقعي قبل فعل الباقي فقد يقال يجب الاتيان بالباقي لاستصحاب الاشتغال ، والحقّ خلافه لجريان البراءة بالنسبة إلى الباقي. وما يقال من أنّ قاعدة الاستصحاب حاكمة على أصالة البراءة ممنوع بكلّيته ، بل قد يكون الأمر بالعكس فيما إذا كان الشك في الاشتغال ناشئا عن الشك في أصل التكليف كما هو كذلك فيما نحن فيه ، فيجري أصالة البراءة بالنسبة إلى الشك السببي ويرتفع به حكم الشك في المسبب ، وقد مرّ هذا المطلب أيضا في نظائر المقام غير مرّة فتذكّر.
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٠٧.