قوله : نعم لو كان مستند الاحتياط أخبار الاحتياط كان لحكومة تلك الأخبار على أخبار البراءة وجه (١).
قد ذكر في الشبهة التحريمية من أقسام الشك في التكليف أنّ أخبار البراءة بل الآيات المستدلّ بها لها على تقدير تماميتها ما سوى خبر «كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» (٢) مفادها أنّ ما لا يعلم حكمه الواقعي ولا الظاهري فحكمه البراءة. وبعبارة أخرى مفادها مساوق للحكم العقلي بالبراءة ، وحينئذ لا تعارض أخبار الاحتياط ، لأنّ مورد وجوب الاحتياط قد علم حكمه الظاهري فخرج بذلك عن موضوع أخبار البراءة ، لكن ذكرنا نحن هناك أنّ أغلب أخبار الباب بل الآيات ظاهرة في أنّ ما لم يعلم حكمه الواقعي فهو مرخّص فيه ، وعليه يتعارض أخبار البراءة وأخبار الاحتياط ، إذ مفاد الأولة نفي العقاب على الواقع المجهول ، ومفاد الثانية ثبوت العقاب على الواقع المجهول بناء على أنّ مفادها الإرشاد إلى تنجيز الواقع ، وكذا إذا حملناها على الموضوعية وأن مفادها إثبات الحكم الظاهري للمحتمل وترتّب العقاب على مخالفته ولو تخلّف عن الواقع على خلاف التحقيق ، لأنّ مفاد أخبار البراءة إثبات الإباحة الظاهرية ومفاد أخبار الاحتياط إثبات الوجوب أو الحرمة الظاهريين ، نعم لو قلنا بأنّ أخبار البراءة لا تدل على الإباحة الظاهرية الفعلية بل إنما تدل على نفي ترتّب عقاب الواقع المجهول ولا تنافي ترتب العقاب المترتّب على ارتكاب محتمل الحرمة وترك محتمل الوجوب ، كان أخبار الاحتياط حينئذ مقدما على أخبار البراءة ولزم العمل على الاحتياط ، لكنه خلاف التحقيق فإنّ أخبار البراءة ظاهرة في الإباحة الفعلية فتدبّر.
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٣١.
(٢) الوسائل ٢٧ : ١٧٣ / أبواب صفات القاضي ب ١٢ ح ٦٧.