ولزوم الأخذ بالتعيين لعدم جريان أصالة البراءة عن التعيين على ما حرره في المتن ، وهذا ينافي ما اختاره قبيل ذلك من جريان الأصل في دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقلي كالرقبة والرقبة المؤمنة ، وبيان ذلك أنّ المصنف على ما حكي عنه بعد ما أشكل عليه تصوير الواجب التخييري الشرعي بجميع أقوال المسألة التجأ إلى اختيار إرجاع الواجب التخييري إلى التعييني وأنّ الواجب واقعا أمر مشترك بين الخصال وإن لم نعرفه وهذه الخصال أفراده ، واكتفى الشارع عن بيان نفس ذلك الواجب ببيان أفراده ، فيرجع التخيير الشرعي على هذا إلى التخيير العقلي ، ويجري فيه ما ذكره من جريان أصالة البراءة عن وجوب خصوصية المعيّن لاشتمالها على كلفة زائدة على القدر الجامع المعلوم على كل تقدير.
فإن قلت : يرجع المسألة بناء على المبنى المذكور أيضا إلى دوران الأمر بين وجوب المطلق ووجوب الخاص لا الدوران بين المطلق والمقيد ، وقد عرفت سابقا أنّ جريان الأصل ببيان المتن إنما يتم في الثاني دون الأول.
قلت : التحقيق أنّه لا فرق بين القسمين المذكورين من الدوران فيما هو مناط لصحة جريان الأصل ، وهو أنّ لنا في ظرف علمنا قدرا مشتركا معلوم الوجوب وأمرا زائدا مشكوك الوجوب ، غاية الأمر أنه لو كان الواجب واقعا هو الخاص لم يلاحظه الآمر من حيث تحقق القدر المشترك في ضمنه ، وهذا غير قادح بعد اتحاد الجامع مع الخاص في الوجود.
وبعبارة أخرى الجامع الانتزاعي كاف في صحة دعوى حصول العلم بوجوب أمر والشك في وجوب ما زاد عليه من قيد الخصوصية ، إلّا أن هذا كله مبني على مبنى فاسد ، والحق أنّ الواجب التخييري معقول على ما هو محرّر في