قوله : أما الاولى فلاحتمال كون من بمعنى الباء أو بيانيا وما مصدرية (١).
المعروف في تقريب الاستدلال بها أنّ «من» للتبعيض وهي ظاهرة فيه ولو بمعونة المقام ، و«ما» موصولة أو موصوفة ، وهو مع صلته أو صفته بدل قوله منه ، و«منه» في موضع المفعول من قوله فأتوا.
وفيه : أنّ الأصل والظاهر في «من» الابتدائية ، وبه يكون الاستدلال أظهر ، ويندفع به بعض الإشكالات الآتية كما سيظهر ، ولا يحتاج إلى جعل «ما» موصولة أو موصوفة في تقريب الاستدلال ، بل يتمّ على تقدير كونه مصدرية زمانية ويكون محصّل المعنى كلّما أمرتكم بشيء فاتوا منه كلا أو بعضا ما دمتم قادرين عليه أو مقدار استطاعتكم منه. ولا يخفى أيضا أنّ الاستدلال مبني على كون إذا من أدوات العموم ولا يبعد وإن كان محلا للخلاف ، وبالجملة كون «من» للتبعيض أو بمعنى باء التعدية أو للتبيين خلاف الظاهر ، بل توجيه التبيين بالخصوص فيما نحن فيه لا يخلو من حزازة بل غير صحيح سواء جعلناه بيانا للمأتي أو لما استطعتم على ما في العوائد ، لعدم كون مجروره بيانا للمبيّن به كما في قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ)(٢) والحاصل أنّ هذه المناقشة في غير محلّها بعد ظهور «من» في الابتداء وبه يتمّ الاستدلال ، وبسط الكلام في احتمالات كلمة من ولفظة ما وشيء وأمر فاتوا لعله تطويل بلا طائل.
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٩٠.
(٢) الحج ٢٢ : ٣٠.