بالقدر الممكن وهو هنا مراعاة أحد الاحتياطين إلّا أنه مخيّر بينهما لو لم يكن أحدهما أهم من الآخر ، فإن علم أو ظنّ أو احتمل أهمية أحدهما يجب تقديمه ، إلّا أنه لو خالف واحتاط بغير الأهم فإنه يحصل وإن تجرى بترك الأهم كما هو حكم مطلق المتزاحمين في سائر الأبواب على ما تقرر في محلّه.
وقد يتوهّم أن المسألة من قبيل دوران الأمر بين المحذورين الذي صرّح الماتن وغيره أنه مما لا يمكن فيه الاحتياط وحكمه التخيير بين الفعلين ، ضرورة عدم خلوّ المكلف عنهما لا التخيير بين الاحتياطين.
وفيه : ـ مضافا إلى ما مرّ سابقا من إمكان الاحتياط بل وجوبه في دوران الأمر بين المحذورين بأن يختار واحدا من الفعل أو الترك برجاء إدراك الواقع ـ أنّ الفرق واضح بين ما نحن فيه ومسألة دوران الأمر بين المحذورين ، أما إذا كان الاحتياطان مختلفي المورد وتعارضا فواضح كما لو دار الأمر بين الاحتياط من جهة القبلة والاحتياط من جهة الستر أو طهارة البدن مثلا ، إذ لا ريب أنّ التزاحم إنما وقع بين الاحتياطين لا الاحتمالين ، وأما إذا كانا متحدي المورد كما لو فرض أنّ عدول العلماء واجبة الإكرام وفسّاقهم محرمة الإكرام واشتبه حال زيد أنه عادل أو فاسق فنقول : الفرق أنّ هنا عنوانين متغايرين يعلم تنجّز التكليف بالنسبة إليهما ، غاية الأمر أنه وقع الشك في دخول هذا المصداق في أحد العنوانين المعلومين حكما وموضوعا ، ويمكن فيه الاحتياط باعتبار أحد العنوانين دون الآخر ، وهذا بخلاف مسألة دوران الأمر بين المحذورين فإنّ الشك فيه إنما يرجع إلى الشك في أصل تنجّز التكليف فيمكن منع صدق الاحتياط لعدم التكليف الفعلي ، فليتأمل جيدا.
الخامس : أنه لو كان الاحتياط التام في مورده موجبا للحرج المنفي فلا