الاستحقاق قبل المخالفة عند ترك المقدمة ، واختار المصنف في المتن الاحتمال الثالث ، لكن التحقيق هو الوجه الرابع كما سيظهر.
الثالث : الحق أنه يحصل استحقاق العقاب في زمان مخالفة التكليف لا قبله عند ترك المقدمة ، وذلك لما مرّ من أنّ العقاب مترتب على العصيان الذي لا يتحقق إلّا في زمان فوات التكليف ، وعند ترك المقدمة كما أنه لا يصحّ أن يقال إنه زمان الإطاعة كذلك لا يصحّ أن يقال إنه زمان المخالفة ، واستحقاق العقاب المترتب على المخالفة لا يتقدّم على المخالفة بحسب الزمان ولو علمنا عند ترك المقدمة أنه يحصل المخالفة في وقته لا محالة ويترتب عليها لازمها أعني الاستحقاق ، فإنّ زمان العلم بالاستحقاق في وقت المخالفة هنا مقدّم على زمان نفس الاستحقاق ، ولعل هذا منشأ توهّم أنّ نفس الاستحقاق مقدّم بالزمان على زمان المخالفة.
وما ذكره في المتن في دفعه من أنّه لا وجه لترقّب حضور زمان المخالفة لصيرورة الفعل مستحيل الوقوع لأجل ترك المقدمة ، مضافا إلى شهادة العقلاء بحسن مؤاخذة من رمى سهما لا يصيب زيدا ولا يقتله إلّا بعد مدة بمجرّد الرمي ، انتهى. فيه : أنّ صيرورة الفعل مستحيل الوقوع بترك المقدمة إنما يوجب العلم بتحقق الاستحقاق فيما بعد عند حصول المخالفة لا حصول نفس الاستحقاق حين ترك المقدمة ، وأما شهادة العقلاء بحسن مؤاخذة من رمى سهما بمجرد الرمي قبل تحقق قتل زيد فلعلها من باب المسامحة وإلّا فكيف يؤاخذ على معصية لم تقع بعد فإنّه يعدّ ظلما عند الدقة لا مجازاة على العمل ، ويشهد لما ذكرنا من أنّ حكمهم بحسن المؤاخذة من باب المسامحة أنهم لا يفرّقون في حكمهم بحسن المؤاخذة بين ما إذا تحقق قتل زيد فيما بعد بذلك السهم ، أو لم يتحقق بأن مات قبل وصول السهم إليه حتف أنفه أو بسبب آخر.