في المباحث السابقة من منع توقّف قصد القربة على الأمر وقصده ، بل يحصل ذلك بمجرّد كون الداعي له للعمل ما يرجع إلى الله بوجه من الوجوه ، وإمكان هذا المقدار في خصوص صورة الجهل والنسيان واضح ، بل يمكن ذلك في صورة العمد أيضا.
وأما الثاني وهو حكم صحة صلاة من توسّط أرضا مغصوبة في حال الخروج فهو مبنيّ على بيان أنه في حال الخروج هل هو منهي عن الخروج أم لا ، فنقول فيه أقوال ثلاثة ، الأول : ما أسند إلى جماعة من أنه مأمور بالخروج باعتبار أنه تخلّص عن الغصب ، ومنهي عنه أيضا باعتبار أنه فرد من أفراد الغصب ، ولا يقدح اجتماع الأمر والنهي في خصوص المقام ، لأنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فإنّ المكلف بنفسه صار سببا لعدم القدرة على امتثال النهي بدخوله في الأرض المغصوبة بسوء اختياره فلا يقبح نهيه عن الخروج مع كونه واجبا عليه بحكم العقل والشرع ، وبالجملة أنه مأمور بالخروج ومنهي عنه بالأمر والنهي الفعليين.
وأورد عليه صاحب الفصول (١) بأنّ نهيه عن الخروج بعد الدخول سفه لا يصدر عن الحكيم كمن ترك السفر إلى الحج عند خروج الرفقة ، فأمره بالحج في ذي الحجة مع عدم القدرة عليه سفه ولذلك اختار هو :
القول الثاني : وهو أنه حين الخروج مأمور بالخروج وليس منهيا عنه إلّا أنّ حكم المعصية جار عليه باعتبار أنه منهي عنه بنهي سابق وهو نهيه عنه قبل الدخول ، فإنه كان قبل الدخول منهيا عن الغصب بجميع أنحائه ومنها الغصب بالخروج ، لكن النهي انقطع بمجرّد الدخول لما مرّ من كونه سفها وبقي حكمه من
__________________
(١) الفصول الغروية : ١٣٨.