كلمات بعض الأخباريين للمعنى الأول.
وحينئذ نقول : إن كان مؤدى أدلة الاحتياط المعنى الأول تمّ ما ذكره من عدم معارضة مفاد الآيات المذكورة لها ، لأنّ الشارع على هذا الوجه قد بيّن حكم الواقعة وهو وجوب الاحتياط ، فقد كلّف بالاحتياط مع البيان ولم يكلّف بالواقع الأوّلي لعدم البيان بالنسبة إليه.
وأما إذا كان مؤداها المعنى الثاني على ما عرفت أنه مختار المصنف وسيأتي عند تعرّضه لأخبار الاحتياط فإنّها تعارض أكثر الآيات المذكورة إن لم يكن جميعها ، مثلا قوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) يراد به لا يكلف الله إلّا حكما أعلمها يعني أنّ الحكم غير المعلوم غير منجّز لا يعاقب عليه ، فيعارض أخبار الاحتياط ، لأنّ مفادها على تقدير تماميتها أنّ الحكم المجهول منجز يعاقب عليه ، وكذا قوله : (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) يعني يبيّن لهم الأحكام الواقعية ، وليس أدلة الاحتياط بيانا لها ، وهكذا قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ) إلى آخره (١) ، وقوله : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) إلى آخره (٢) كما لا يخفى ، نعم قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(٣) من قبيل ما ذكره بناء على أنّ مفاده على ما مرّ ما كنّا معذّبين حتى نتم الحجة بمعنى قطع العذر من قبلنا ، وأخبار الاحتياط حجة بهذا المعنى ، وكذا قوله : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) يعني عن حجة بالمعنى المذكور.
وإن قلنا بأنّ معنى الآية الأولى وما كنّا معذّبين حتى نبيّن الواقعيات ببيان
__________________
(١) الأنعام ٦ : ١٤٥.
(٢) الأنعام ٦ : ١١٩.
(٣) الإسراء ١٧ : ١٥.