يكن المكلف مقدما على هذا الضرر ، إذ لا داعي له إلى هذا الفعل عدا امتثال أمر الشارع (١).
وثالثا : أنّ الظاهر من الأخبار نفي الحكم عن موضوع الضرر الواقعي واقعا علم أم لم يعلم ، فإنّ ذلك مقتضى حكومتها على سائر الأدلة (٢).
هذا كلّه بناء على المعنى الثالث الذي هو مختار المصنف ، وأما بناء على المعنى الرابع الذي اخترناه لا يتوجّه الإشكال من أصله ، لأنّ تنزيل الضرر الموجود منزلة العدم يقتضي أن لا يترتب عليه أثر أصلا ولا يحكم بصحة هذا الفعل الضرري ولو مع الجهل به أو النسيان ، اللهمّ إلّا أن يقال إنّ التنزيل المذكور لا بدّ وأن يكون بحيث يناسب الامتنان ، والحكم بالفساد مناف للامتنان بالتقريب الذي ذكره المصنف كما نقلنا عنه آنفا (٣).
ثم اعلم أنّ خوف الضرر أيضا موضوع آخر لرفع الأحكام قد ورد النص به في رفع إباحة السفر وصحة الصوم وغيرهما ولو لم يكن الضرر متحققا في الخارج بل مجرّد الوهم ، ولازم هذين أنّ نفس الضرر الواقعي رافع للحكم وإن كان جاهلا به ، وكذا خوفه أيضا رافع له وإن لم يكن ضرر في الواقع وعند مصادفة خوف الضرر للضرر يجري كلتا القاعدتين.
__________________
(١) أقول : يمكن أن يجاب عن هذا بأنّ موجب الإقدام على الضرر في الفرض تخيّله للأمر لا الأمر الواقعي فإنه كان مختصا بغير مورد الضرر.
(٢) أقول : لا يخفى أنّ مقتضى الامتنان كما أشار إليه المصنف هو ما ذكره المصنف ، إلّا أن يقال إنّ الامتنان من قبيل الحكمة النوعية لا يدور الحكم مداره.
(٣) أقول : ويمكن دفع ذلك بأنّ الحكم بتحريم الوضوء الضرري المذكور كما مر بيان استفادته من التنزيل يكفي في كونه منزلا منزلة العدم ولا يحتاج إلى ضمّ الفساد في صحة التنزيل كما لا يخفى ، فافهم.