وقد يناقش بأنّ الظاهر من الرواية بيان أصالة إباحة الأشياء قبل ورود الشرع في مقابل أصالة الحظر التي يقول بها جمع من الأخباريين كما يشهد به استدلال الصدوق في أماليه عليها على ما حكاه في المتن ، وكذا استدل بها عليها في الضوابط وغيره ، وذلك لأنّ ورود النهي أعم من الوصول ، فإن فرض أنّ النبي (صلىاللهعليهوآله) أو الإمام (عليهالسلام) بيّن وبلّغ النهي في شيء إلى جمع من المكلّفين ثم اختفى ولم يصل إلى باقي المكلّفين فقد ورد النهي وحصلت الغاية ، فالحكم بالإطلاق والإباحة متوقف على العلم بأنه لم يرد نهي من الشارع في خصوص الواقعة المشكوكة ، فلا يصح التمسّك في صورة جهل المكلف بالحال كما هو المطلوب. والحاصل : أنّ ظاهر الرواية أنّ كل شيء قبل ورود حكم الشارع فيه مباح واقعا أو ظاهرا أو لا حكم له كما احتمل بل قيل بكل من الاحتمالات الثلاثة في مسألة إباحة الأشياء قبل الشرع أو حظرها.
إلّا أنّه يشهد للمعنى الأول رواية الأمالي حيث قال «ما لم يرد عليك أمر أو نهي» (١) فإنّ قوله (عليهالسلام) : «يرد عليك» كالنص في إرادة يصل إليك كما لا يخفى ، فيكون المراد من المرسل أيضا ذلك سيّما بملاحظة قولهم (عليهمالسلام) إنّ أخبارنا يفسّر بعضها بعضا (٢).
ويؤيده أيضا أن الروايات عن الصادق (عليهالسلام) فإن كان المراد منها بيان أصالة إباحة الأشياء قبل ورود الشرع يكون الكلام قليل الفائدة ، إذ في زمانه (عليهالسلام) قد ورد الأحكام الشرعية كما ينبغي ، فلا فائدة في هذا الكلام غير حكاية الحال الماضية ، اللهم إلّا أن يقال إنّه يمكن عدم ورود بعض
__________________
(١) أمالي الطوسي : ٦٦٩ / ١٤٠٥.
(٢) [لم نعثر على هذا النص وإنما ورد مضمونه في بعض الروايات ، راجع بحار الأنوار ٢ : ١٨٢ ب ٢٦].