ثالثا : لماذا طلب العفو والمغفرة لنفسه ولأخيه؟!
لكن لو تأمّلنا في تلك الحادثة التي واجهها هذا النبي العظيم بعد رجوعه من ميقات ربّه ، لسلَّمنا بصحة وضرورة تصرفه هذا.
فلقد قضى موسى سنوات طويلة مليئة بالمشقّة ، لزرع بذرة «التوحيد» في قلوبـ «بني إسرائيل» القاسية ، وذهب إلى مكان الوحي لميقات ربّه حينما نبتت تلك البذرة على أمل نموّها ، لكنّه حينما رجع لاحظ أنّ كل جهوده ذهبت أدراج الرياح وقد استسلم الأكثرية الساحقة من بني إسرائيل لوساوس «السامري» وسجدوا للعجل! فضلاً عن إحاطة فتنة الوثنية والشرك بكلّ شيء وانطفاء نور الإيمان والتوحيد.
وهنا استغرب موسى كثيراً وغضب غضباً شديداً ، وكان غضبه لله طبعاً ، هذا من جهة.
ومن جهة اخرى كان لابدّ له من مواجهة ماحدث بشدة ، حيث تعدّ أقسى حادثة في حياة موسى عليهالسلام ، وذلك ليقف بنو إسرائيل على خطورة الموقف وقبح عملهم ، وبالنتيجة تزال كلّ آثار الشرك والوثنية من قلوبهم ، وإلّا لاحتمل بقاء آثار الشرك في قلوبهم وقلوب الأجيال القادمة أيضاً ، فليس المهمّ هنا مسألة احترام إنسان أو بعض الألواح المقدّسة ، بل المهمّ هو مسألة التوحيد وخطورة انحراف قوم بأكملهم.
كان ينبغي لموسى عليهالسلام التعبير عن غضبه الكامن في نفسه ، وإظهار قبح هذا العمل للجميع ، وذلك ما كان ميسوراً إلّابإبداء ردّ فعل عنيف ، ولذا عاتب أخاه هارون بشدّة حتّى أنّه جرّه من رأسه بعد أن ألقى الألواح جانباً ، بل صرخ في الواقع من أعماق وجوده ، حتّى تردّد صداه بين بني إسرائيل ليقول بعضهم لبعض : ما أقبح عبادة العجل يا ترى! بحيث يتعامل موسى عليهالسلام بكلّ هذه الخشونة مع أخيه؟ وعلى فرض أنّ مثل هذا التصرّف لا يليق بشأن هارون عليهالسلام (مع أنّ علاقة الاخوّة بين الأخوين تنفي مثل هذا الشيء) فإنّه وبسبب التأثير الاجتماعي العميق له لم يجد موسى عليهالسلام بدّاً من فعله.
كما أنّ نفس هذا الهدف كان وراء إلقاء الألواح ، بالرغم من اعتقاد البعض بأنّ لفظة «الإلقاء» هنا تعني الوضع على الأرض والذهاب وراء عمل ما ، ولذا لم تنته المسألة عند هذا الحدّ ، بل كان ذلك القرار الشديد على بني إسرائيل بسبب ارتداد ذلك الفريق بالشكل