والتي يمكن استنتاجها من التعبير بـ «العشي» الوارد في الآية ، وطبقاً لهذا التفسير فقد ذهل سليمان بالنظر إلى هذه الجياد ، إلى أن غابت الشمس وتوارت وراء الحجب ، فغضب لذلك كثيراً لفوات صلاة العصر عليه ، وحينئذ طلب من الملائكة إعادة الشمس ثمّ توضّأ وصلّى ، وأنّ جملة (فطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) إشارة إلى وضوئه.
كما ذهب البعض إلى أبعد من هذا أيضاً ، وقال : إنّ المراد من هذه الجملة هو : أنّه أعطى أمراً بقطع أعناق الجياد وقوائمها ، باعتبارها السبب وراء غفلته عن ذكر الله (العذر الذي هو أقبح من الفعل) ، والقول : إنّه ذبحها ووزّع لحومها في سبيل الله يبدو عجيباً أيضاً ، لأنّ جياداً بتلك القيمة والخاصيّة التي تلفت نظره إليها حتّى يذهل لذلك لا ينبغي ذبحها كالأبقار والأغنام ، إذ لو أراد إنفاقها لوجب إعطاؤها للآخرين وهي على قيد الحياة ، ولا يخفى على أحد سقم هذه التفاسير ، وذلك لأنّ :
١ ـ لو كانت هذه الجملة (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) إشارة إلى وضوئه ، فليس لديه سوى رقبة واحدة ، والتعبير بـ «الأعناق» بصيغة الجمع مما يكون ، كما أنّ لديه ساقَيْن ، والتعبير ب (السوق) بصيغة الجمع يكون لا معنى له أيضاً ، ومَن قالَ إنَّ الوضوء كانَ بالمَسْح؟ لا معنى له.
ولو كانت بمعنى قطع أعناق وقوائم الجياد ، فهو عمل غير منطقي جدّاً ، لا يقدم عليه حتّى الفرد العاقل العادي فكيف بنبي عظيم كسليمان عليهالسلام ، إذ لا ذنب لها ، بل لو كان هناك ذنب فهو منه حينما انشغل بالنظر إليها.
أكثر ما يمكن أن يقال هنا هو أن يهبها للآخرين لتبقى بعيدة عنه ولا تشغله بنفسها ، ولا داعي للقتل أبداً؟!
٢ ـ لم يرد في هذا الحوار كلام عن «الشمس» ، والاستدلال عليها عن طريق «العشي» بعيد جدّاً ، لأنّ أقرب ما يعود إليه الضمير هنا هو «الخير»الذي يعني هنا «الجياد» بكلّ تأكيد ، كما لم يرد شيء عن الملائكة أيضاً ليكونوا من مخاطبي سليمان ، فضلاً عن أنّ هذا التعبير الذي وجهه سليمان إلى الملائكة تشمّ منه رائحة صيغة الأمر ، ويبدو مستبعداً جدّاً لعدم لياقته وشأن الملائكة.