وهناك تفسير لطيف حول هذا الموضوع في حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام وذلك حينما سئل عن تفسير الآية : (رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً لَايَنْبَغِى لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى) قال عليهالسلام : «الملك ملكان ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس ، وملك مأخوذ من قبل الله تعالى ، كملك آل إبراهيم وملك طالوت وذي القرنين ، فقال سليمان (وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) أن يقول إنّه مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس ، فسخّر الله عزوجل له الريح ... وسخّر الله عزوجل له الشياطين ... وعلّم منطق الطير ، ومكّن في الأرض ، فعلم الناسُ في وقته وبعده أنّ ملكه لا يشبه ملك الملوك المختارين من قبل الناس ، والمالكين بالغلبة والجور» (١).
والمراد من هذا الحديث هو أنّ سليمان عليهالسلام لم يطلب حكماً محدوداً ، بل حكماً لا مجال فيه للقيل والقال والإتّهام بالزور والظلم ، ولذا فقد مزج الله هذه الحكومة بالمعجزات العجيبة لإثبات كونها من عنده تعالى ، لا من الناس ولا عن طريق الظلم والغلبة (٢).
الجواب الثالث : ما أُثير حول مقام عصمة سليمان عليهالسلام هو ما جاء في نفس الآيات السابقة حيث يقول تعالى : (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِىِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (الخيل الأصيلة) ـ فَقَالَ إِنِّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّى (إنّي أحبّ هذه الجياد في سبيل الله ومن أجل الجهاد ، فبقي ينظر إليها ..) حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ* رُدُّوهَا عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (يمسح عليها لأنّها لائقة للقتال)). (ص / ٣١ ـ ٣٣)
طبقاً للمعنى المتقدّم الذي تبيّن من هذه الآيات ، لا يبدو هناك أي إشكال في عمل سليمان عليهالسلام هذا ، فهو يعتدّ بقدرته العسكرية ويلتذّ بالتطلّع إلى الجياد المهيأة للجهاد ، ويأمر بردّها عليه ثانية لاعتزازه بها ، وهذه التصرّفات كلّها تبدو بشكل عام معقولة ومنطقية وإلهية.
لكن البعض فسّر هذه الآية بشكل آخر واعتبرها كبداية للإشكال على سليمان ، وقال : إنّ الضمير في كلتا جملتي «توارت» و «ردوها» يعود إلى الشمس التي لم ترد في العبارة ،
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٤٥٩ ، ح ٥٦.
(٢) وبناءً على هذا التفسير فهناك جملة مقدرة في الآية تقديرها : وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي أن يقول ليس من عند الله.