الذي يتمتّع به الأنبياء المعصومون عليهمالسلام؟ ألا يُشمُ من هذا الكلام رائحة البخل ياترى؟
ورغم أنّ الحديث يدور هنا حول عصمة الأنبياء عليهمالسلام ، لكن على أيّة حال فالنقائص الأخلاقية الاخرى خصوصاً تلك التي تشمئزّ منها النفوس لا تتناسب مع درجاتهم ومنزلتهم الرفيعة.
وقد أجاب المرحوم السيّد المرتضى في «تنزيه الأنبياء» والمحقّق الطبرسي في «مجمع البيان» وباقي المفسّرين عن هذا السؤال في تفاسيرهم بأجوبة متعدّدة (١) ، والأجوبة أدناه تعدّ أنسبها :
إنّ سليمان عليهالسلام طلب من الله تعالى أن تكون له معجزة خاصّة ، كما أنّ لكلّ نبي معجزته الخاصّة ، وكانت معجزته هي الحكم الذي لا مثيل له ، الحكم على الإنس والجنّ وعلى الرياح والسحاب و... ، فوهبه الله مثل هذه المعجزة ، حكومة واسعة تتصف بالإعجاز في مختلف الجوانب ، ومن البديهي أنّ طلباً كهذا لا يعدّ عيباً ونقصاً للنبي.
والجواب الآخر هو : إحساس سليمان بالإذن لمثل هذا الطلب عن طريق الوحي ، أو بعبارة اخرى : أنّ الله تعالى شاء أن يتجسّد شعاع من قدرته وحاكميته عن طريق أحد أنبيائه العظام ، فوجد سبحانه سليمانَ صالحاً لهذا الغرض فأجازه لمثل هذا الطلب ، فطلب سليمان بدوره تلك المعجزة ، فوهبه الله تلك الحكومة العجيبة التي لا مثيل لها ، والتي لم ولن يكون لها نظيرٌ في العالم ، ومن المسلّم أنّه حينما يجد اللهُ أحداً صالحاً لعمل ما ، ويجيزه في ذلك ، لا يبقى هناك أدنى مجال للشكّ والترديد والإشكال.
الدليل على هذا الكلام هو ما ورد عن سيرة سليمان من أنّه كان زاهداً جدّاً في حياته ، كما نقرأ في حديث عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله أنّه قال حول هذا الموضوع : «كان يأكل الشعير ويطعم الناس الحُوَّاري! (٢) وكان لباسه الشَعر وكان إذا جنّه الليل شدّ يده إلى عنقه فلا يزال قائماً يصلّي حتّى الصباح!» (٣).
__________________
(١) تنزيه الأنبياء ، ص ٩٧ و ٩٨ ؛ تفسير مجمع البيان ، ج ٨ ، ص ٤٧٦.
(٢) الحواري (بالحاء المضمومة والواو المشدّدة) هو «الطحين الأبيض».
(٣) سفينة البحار ، مادّة (الزهد) ، وتفاسير اخرى.