وأي ضلال وانحراف أعظم من يأتي بحديث عن الشرك والثناء على الأصنام بين آيات التوحيد؟ وأي منطق أسوء من أن يضيف كلام الشيطان (تلك الغرانيق العلى) إلى كلام الله تبعاً للهوى.
والمثير هنا أنّ الآيات التي تتلوها تذمّ الأصنام والمشركين وتقول (إِنْ هِىَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ). (النجم / ٢٣)
أي عاقل يصدّق أنّ شخصاً رزيناً حكيماً وفي مقام النبوّة وإبلاغ الوحي ، يمدح الأصنام في الجملة السابقة ويذمّها بشدّة وعنف في جملتين بعدها؟! كيف يمكن توجيه هذا التناقض الصارخ بين الجملتين تباعاً؟
ومن هنا يجب الإعتراف بأنّ الإنسجام القائم بين آيات القرآن هو بشكل يرفض كلّ شبهة تضاف إليها من قبل المعاندين والمغرضين ، ويثبت كونها جملة غريبة وإضافة غير متجانسة وأنّها ليست في محلّها ، هذا هو المصير الذي ابتلي به حديث الغرانيق بين طيّات آيات سورة النجم.
وهنا يبقى سؤال واحد ، وهو البحث عن السرّ وراء كلّ هذه الشهرة ، التي لاقاها موضوع تافه لا أساس له كهذا؟
جواب هذا السؤال ليس بتلك الصعوبة أيضاً ، إذ إنّ الفضل في شهرة هذا الحديث يعود بالدرجة الاولى إلى مساعي الأعداء والمرضى ، الذين يظنّون أنّهم قد عثروا على اداة جديدة للطعن في مقام عصمة نبي الإسلام واصالة القرآن ، وبناءً على هذا التحليل يتّضح شهرته بين الأعداء وهو ممّا لا يخفى ، امّا شهرته بين المؤرخّين الإسلاميين المسلمين فعلى حدّ قول بعض علماء الإسلام ، ناتج من كون هؤلاء المؤرخّين يبحثون عن كلّ ما هو مثير وغريب وفريد من نوعه وإن كان يفتقر إلى الاصالة التأريخيّة لدرجه بين طيّات كتبهم ، ليزيدوا من جاذبيتها قدر المستطاع ، ونظراً لكون قصّة كأسطورة الغرانيق حادثة غريبة تنسب إلى حياة نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله فلم تخلُ منها كتبهم التأريخية ، بل وحتّى الروائية منها