حتّى لو كانوا أناساً طيبين ، لأنّ فقدان منزلة العصمة يستلزم احتمال تعلقهم في يوم ما بالمظاهر المادية ومغرياتها ، أو أن يرتكبوا الخطأ والزلل من حيث لا يشعرون وبلا سبب يذكر.
هذا الاحتمال يبعث على التشويش الفكري لأتباعهم على الدوام ، كما أنّه سيكون أساساً للشكّ والريبة ، فضلاً عن بقاء مسألة «إتمام الحجّة» ناقصة أيضاً ، نظراً لوجود ذريعة بيد المخالفين على الدوام مفادها أنّ سبب عدم اتّباعهم لتعاليم النبي يكمن في احتمال صدور الخطأ والزلل (لا سمح الله) منه.
خلاصة القول : إنّ رأس المال الحقيقي للنبوّة هو كسب ثقة طلّاب الحقيقة ، ولا يتحقق هذا المعنى بفقدان منزلة العصمة والصيانة من الذنب والخطأ.
ويمكن القول : أنّ الناس عموماً إنّما يتّبعون العلماء الأتقياء ، ويأخذون منهم أحكام دينهم ويثقون بهم ، مع علمهم بعدم عصمتهم من الذنب والخطأ.
لكن ينبغي الإلتفات إلى أنّ أصل الدين يختلف عن فروعه وجزئياته ، ويمكن إرساء أصل الدين وأساسه على الشكّ أو الظنّ ، ولا يمكن قبول الوحي الإلهي مقروناً بالاحتمال والشكّ والترديد ، في حين أنّ احتمال الخطأ والإشتباه في الفروع والجزئيات لا يؤثّر في أساس العقيدة ، إذن فلابدّ من القول هناك بالعصمة والإكتفاء بالعدالة هنا ، وذلك لإمكان غضّ الطرف عن احتمال الخطأ في هذه الجهة ، دون الخطأ والإشتباه في الوحي وإبلاغ الرسالة ، حيث لا يمكن غض البصر والتسامح في هذا المورد ، كما يثار هنا سؤال آخر أيضاً وهو أنّ آخر شيء يمكن أن يستفاد من هذا الدليل هو تنزيههم من الخطأ والكذب والتحريف في تبليغ الرسالة ، لكن هذا الدليل قاصر عن شمول كافّة الذنوب والمعاصي.
لكن الإنصاف هو اشتراك معظم الذنوب باسس مشتركة ، فالكذب والإتّهام والسرقة والإبتلاء بشرب الخمر ولعب القمار والسقوط الأخلاقي ، نابعة من اتباع هوى النفس واتّباع الشهوات وحبّ الدنيا ، فكيف يمكن ألا يكذب أبداً من يبتلى بأنواع المعاصي؟
وعلى فرض وجود مثل هذا الشخص ولو نادراً ، فإنّه لن يفلح مع ذلك في كسب ثقة