وقد صرح القرآن بكلّ جلاء بهذا الموضوع قائلاً : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ* لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) (أى فلا أحد منكم يقدر على منعنا من ذلك أو الدفاع عنه). (الحاقة / ٤٤ ـ ٤٦)
هذه الآيات تؤكّد على نفس الحقيقة التي تمّت الإشارة إليها ، وهي أنّ من يمتلك الآيات والحجج الإلهيّة والمجهّز بسلاح الإعجاز القوي ، فقد وعده الله تعالى بقوله ، لو انحرف حتّى للحظة واحدة عن المسير الإلهي ، فلن يمهله الله تعالى ، بل سيضربه في أخطر نقطة من بدنه أي شريان قلبه ويقضي عليه ، وفيما عدا ذلك فانّ الله هو السبب وراء إضلال الناس وإغرائهم بالجهل ، وهذا بنفسه يعدّ دليلاً صارخاً على مسألة العصمة.
ومع أنّ مسألة الخطأ خارجة عن إرادة الإنسان فلا يمكن معاقبة أحد على الأخطاء التي يستحيل اجتنابها ، ولكن بما أنّ هفوة النبي وخطأه يترك نفس الأثر الذي يتركه افتراؤه على الله ، أي يكون السبب وراء إضلال خلق الله ، إذن يمكن الاستفادة من مضمون هذه الآية أنّ النبي مصون من مثل هذا الخطأ أيضاً.
وكدليل على ذلك نقرأ هذا الحديث عن علي بن موسى الرضا عليهالسلام حيث قال للمأمون : «من دين الإمامية ، لا يفرض الله طاعة من يعلم أنّه يضلّهم ويغويهم ، ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنّه يكفر به وبعبادته ، ويعبد الشيطان دونه» (١).
ونقرأ في حديث آخر عن الإمام علي عليهالسلام أنّه قال :
«إنّ الله إنّما أمر بطاعة رسوله لأنّه معصوم مطهّر لا يأمر بمعصية الله وإنّما أمر بطاعة اولي الأمر لأنّهم معصومون مطهّرون لا يأمرون بمعصية الله ، فهم اولو الأمر ، والطاعة لهم مفروضة من الله ومن رسوله ، لا طاعة لأحد سواهم» (٢).
* * *
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ١١ ، ص ٧٦ ، ح ٣ ، باب عصمة الأنبياء.
(٢) من كتاب بحرالمناقب المخطوط ص ١٠٠ طبقاً لما نقله صاحب إحقاق الحقّ ، ج ١٣ ، ص ٧٨.