وجوب الامتثال له في كلّ شيء من جهة ، ووجوب مخالفته عند الخطأ من جهة أخرى ، ونعلم باستحالة صدور أمرين متضادّين من الله الحكيم.
٢ ـ لو أقدم النبي على المعصية لوجب أن يكون مردود الشهادة ، لأنّ شهادة الفاسق وأخباره غير مقبولة ، فكيف يمكنه والحالة هذه أن يكون شاهداً على الوحي الإلهي في الدنيا أو على الأمم يوم القيامة؟!
٣ ـ لو صدر من الأنبياء ذنب فهذا يعني أنّ منزلتهم أقلّ من عصاة الأمّة ، إذ إنّ مقام النبوّة في غاية الرفعة والسمو ، فارتكابهم للمعاصي ، والإعراض عن أوامر ربّهم ونواهيه من أجل لذّة فانية أقبح وأشنع من عصيان هؤلاء ، وهذا ما لا يقرّه عاقل.
٤ ـ أنّهم لو كانوا يأمرون الناس بصالح الأعمال واجتناب قبيحها ، ولم يلتزموا هم بذلك لدخلوا تحت قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ). (البقرة / ٤٤)
وهو غير معقول.
٥ ـ لو صدر عن النبي ذنب صار مصداقاً للظالم (ظلم الآخرين أو ظلم نفسه) ولجاز لعنه ، إذ يقول القرآن : (أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). (هود / ١٨)
فكيف يمكن لعن النبي؟ وهل يتناسب هذا مع مقام نبوّته؟
٦ ـ أنّ القرآن الكريم صرّح بأنّ الشيطان أقسم بعزّة الله تعالى على إغواء جميع الناس ، إلّا المخلَصين : (فَبِعزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الُمخْلَصِينَ). (ص / ٨٢ ـ ٨٣)
فلو صدر من النبي ذنب لوجب أن يكون من حزب الشيطان ، مع بداهة كونه من المخلَصين.
هذه الأدلّة الستّة قويّة ومتينة ، وبالرغم من أنّها ترجع إلى الأدلّة الرئيسية المتقدّمة ، لكنّها فروع يانعة من تلك الأصول المعطاءة.
* * *