الـ «لبوس» يعني في الأصل كلّ أنواع الألبسة ، لكنّه استعمل هنا في خصوص ملابس المعركة كالدرع مثلاً ، ولكن بعض أرباب اللغة كابن منظور في لسان العرب وبعض المفسّرين كالمرحوم الطبرسي في مجمع البيان قالوا في ذيل هذه الآية : كلّ أنواع السلاح (الأسلحة الهجومية والدفاعية) ، إذ إنّه يصدق بحقّها استعمالها للدفاع في الحروب التي اشير إليها في الآية وإن كانت ظاهرة في الدرع كما هو واضح.
ذكر بعض المفسّرين أنّهم وقبل داود عليهالسلام كانوا يربطون بأبدانهم صفحات حديدية رقيقة لوقاية أنفسهم من ضربات الأعداء ، (وأنّ هذا العمل كان شاقّاً وصعباً للغاية ، وأنّ أوّل من صنع الدرع من الحلقات الصغيرة المرتبطة ببعضها البعض هو نبي الله داود الذي خطر على باله هذا الشيء بإلهام إلهي (١).
وقد ورد نفس هذا المعنى بتعبير أشمل في موضع آخر إذ يقول تعالى : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ* أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً). (سبأ / ١٠ ـ ١١)
«السابغات» جمع «سابغ» الذي يعني الدرع الكامل العريض بالضبط ، كما أنّ «إسباغ النعمة» يعني وفورها و «إسباغ الوضوء» يعني كثرة ماء الوضوء.
«السرد» يعني في الأصل غزل الأشياء الخشنة ، وقد ورد في جملة «وقدّر في السرد» الأمر برعاية الأحجام الملائمة لحلقات الدرع وكيفية غزلها.
وبهذا تبيّن أنّ الله قد ألآن له الحديد بالإضافة إلى تعليمه لفنون غزل الدرع الكامل.
هل كان الحديد يلين في يد داود كالشمع؟ أم أنّ الله قد علّمه طريقة إذابة الحديد وصناعة القضبان الحديدية الدقيقة والمتينة؟ وبعبارة أخرى هل يمكن أن يكون لين الحديد في يده معجزة إلهية ، أم أنّ الله علّمه الأسلوب الخاصّ لإذابة الحديد ، والذي لم يكن معروفاً حينذاك؟ أيّاً كان فقد علّم الله داود كيفية صناعة القضبان المناسبة واستبدالها بحلقات الدرع القويّة ونسجها ، وكانت نتيجة ذلك هي صناعة ثوب يسهل ارتداؤه مع مرونة حركته ، طبقاً لحركات بدن الإنسان وأعضائه ، لا كصفحات الحديد القويّة التي يتعذر
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ١١ ، ص ٢١ ؛ وتفسير في ظلال القرآن ، ج ٥ ، ص ٥٥٢.