وأريحوا العالم من وجوده ، قال أبو لهب : كفّوا عنه ، فهو مخدوع من محمّد وقد أفدى نفسه له.
حينئذ التفت علي عليهالسلام إلى أبي جهل وقال : «ياأبا جهل بل الله قد أعطاني من العقل ما لو قسّم على جميع حمقاء الدنيا ومجانينها لصاروا به عقلاء ، ومن القوّة ما لو قسّم على جميع ضعفاء الدنيا لصاروا به أقوياء ، ومن الشجاعة ما لو قسّم على جميع جبناء الدنيا لصاروا به شجعاناً ، ومن الحلم ما لو قسّم على جميع سفهاء الدنيا لصاروا به حلماء» (١).
فحينما يتمتّع علي عليهالسلام بهذه المرتبة من العقل والمعرفة فمن المسلّم أن يتمتّع النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله بمثل هذه الموهبة العظيمة بطريق أولى.
كما أنّ حياة الأنبياء تبيّن أنّ لهم من العقل والمعرفة ما يخرق العادة ، وهذا بنفسه هو أحد المنابع المهمّة لعلومهم ومعارفهم.
٦ ـ الطريق السادس والمصدر الأخير هو العلوم التي ورثوها خلفاً عن سلف ، ولدينا أدلّة كثيرة على أنّ الأنبياء عليهمالسلام قد نقلوا علومهم ومعارفهم إلى الأنبياء الآخرين أو إلى أوصيائهم وأورثوها إيّاهم.
قال فريق من المفسّرين في تفسير الآية : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ دَاوُدَ). (النمل / ١٦)
إنّ «الإرث» هنا يعني إرث علم ومعرفة ذلك النبي ، أو أنّه يعني مطلق التوارث الشامل للعلم والمعرفة أيضاً.
كما أنّ بعض المفسّرين اعتبر توارث العلم في قصّة زكريا عند تفسير الآية ٦ من سورة مريم : (يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) داخلاً في المفهوم الجامع للآية (٢).
كما نقرأ في العديد من الروايات : أنّ العلوم التي وهبها الله لآدم (علم الأسماء) لم تغب عن الوجود ، بل ورثها أولاده المنتجبون!
من جملتها ما نقرأه في رواية عن الإمام الباقر عليهالسلام : «إنّ العلم الذي نزل مع آدم لم يرفع
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ١٩ ، ص ٨٣.
(٢) من جملتهم الآلوسي في تفسير روح المعاني ؛ والسيّد قطب في تفسيره في ظلال القرآن.