هذا الكلام أيضاً كان ردّاً على المشركين المعاندين ، الذين يطلبون منه كلّ يوم معجزة ثمّ لم يقتنعوا حتّى بمشاهدتها ، كما كانوا يطلبون منه أن يطلعهم على أسرار الغيب.
واعلم جيّداً أنّ جملة (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَىَّ) الواردة في ذيل الآية هي إحدى المفاتيح لحلّ غوامض علم الأنبياء عليهمالسلام ، والتي سنتكلّم عنها بالتفصيل ان شاء الله.
كما ورد نظير هذا المعنى وبتفاوت ضئيل في الآية : (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ). (هود / ٣١)
هذا التفاوت هو أنّ الاولى كانت على لسان نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله والثانية على لسان نوح عليهالسلام.
* * *
ونلاحظ في الآية الخامسة تعبيراً جديداً حول هذا الموضوع ، حيث يؤمر النبي بنفي علم الغيب عن نفسه باستدلال لطيف ، إذ يأمره تعالى : (قُلْ لَاأَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعاً وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ).
مع أنّ هذه الآية قد جاءت بعد الآية التي تتحدّث عن موعد يوم القيامة ، وانحصار علمه بالله تعالى ، لكن مفهومها واستدلالها أوسع كثيراً.
ومن البديهي أنّ الكثير من المنافع التي تفوت الإنسان أو الأضرار التي تلحق به ناشئة من عدم وقوفه على عاقبة الامور وأسرار الغيب ، ولو كان له اطّلاع عليها لتجنّب شرّها ولجلب لنفسه خيرها ، فعجزه عن ذلك دليل على عدم اطّلاعه على أسرار الغيب.
* * *
في سادس آية يعتبر علم الغيب إحدى الصفات الخاصّة بالله تعالى حيث يقول : (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ).
هذا التعبير الذي ورد في عدّة آيات من القرآن (١) باعتباره إحدى الصفات البارزة لله
__________________
(١) الأنعام ، ٧٣ ؛ التوبة ، ٩٤ و ١٠٥ ؛ الرعد ، ٩ ؛ المؤمنون ، ٩٢ ؛ السجدة ، ٦ ؛ الزمر ، ٤٦ ؛ الحشر ، ٢٢ ؛ الجمعة ، ٨ ؛ التغابن ، ١٨.