فوافق الخضر على ذلك ورافقه موسى عليهالسلام بدوره ، ثمّ إنّه واجه ثلاث حوادث مؤلمة وغير مألوفة بحسب الظاهر (وذلك لعدم إحاطته بها) ، الاولى خرق السفينة التي تعود إلى فريق من الطبقة المسحوقة ، والتي كانت تعدّ مصدراً لمعيشتهم ، الثانية قتل الشاب ، والثالثة إقامة الجدار الذي يريد أن ينقضّ ، مع عدم وجود أي دليل لها ظاهراً.
وفي كلّ مرّة كان يتصاعد اعتراض موسى عليهالسلام وذلك لتعرّض أحكام شرعية مهمّة في هذه الحوادث الثلاث لخطر الزوال والإضمحلال ، ففي أوّل حادثة تمّ التعدي على حرمة أموال الناس من قبل الخضر ، وفي الثانية أُنتهكت حرمة حياة الناس ، وفي الثالثة صدر منه تصرّف غير مسؤول بحسب الظاهر ، وذلك ببنائه للجدار الذي كان مشرفاً على السقوط بلا أخذ أجر عليه أو دليل على لزوم إعادة بنائه.
وأخيراً بَيَّنَ له الخضر أسرار هذه الامور الغامضة ليقف على فلسفتها وحكمتها ، وتبين أنّه لو لم يخرق السفينة لأخذها ملك غاصب ولتدهورت أحوال أصحابها ، ولو لم يُقتل ذلك الشاب المرتدّ لاحتمل أن يُضِّلّ أبويه المؤمنين ، وأنّه كان هناك كنز خفي تحت ذلك الجدار ليتيمين وكان أبوهما صالحاً ، وأراد الله الحفاظ على كنزهما عن هذا الطريق إلى أن يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما للاستفادة منه ، ومع أنّ موسى المأمور بظاهر الشريعة لم يتمكّن من البقاء أكثر من هذا مع الخضر الذي كانت له وظائف اخرى أيضاً وأنّه انفصل عنه طبقاً للعهد الذي أخذه على نفسه ، لكنّه توصّل من خلال هذه القصّة بشكل عامّ إلى أنّ الكثير من الحوادث التي لها ظاهر مؤلم تعدّ أسباباً لليمن والبركة في جوهرها ، فضلاً عن وقوفه على العلم التفصيلي لهذه القصص الثلاث ، وانّنا لعلمنا المحدود نتوهّمها في غير محلّها في حين أنّ وقوفنا على حقيقة الأمر يدفعنا لاقتفاء أثره وإدراكه بكلّ سرور.
كانت هذه علوماً تعلّمها موسى من الخضر إلى جانب علم الشريعة ، والأسمى منها هو الخضر الذي يعدّ من الأنبياء الإلهيين عظيمي الشأن ، والذي كان له اطّلاع واسع على هذه الامور (١).
__________________
(١) لمزيد من التوضيح فيما يتعلّق بهذه الآيات وجزئيات هذه القصّة ، راجع التفسير الأمثل ، ذيل الآيات ٦٠ ـ ٨٢ من سورة الكهف.