يستفاد من كلمات بعض أرباب اللغة أنّ «الذكر» لا يعني العلم والمعرفة ، بل يعني «إعادة الإطّلاع على الشيء» ، يقول الراغب في مفرداته بعد مقارنته بين «الذكر» و «الحفظ» : «التفاوت بينهما هو أنّ الحفظ يقال اعتباراً بالإحراز ، والذكر يقال اعتباراً بالإستحضار» ، ثمّ يضيف قائلاً : الذكر ضربان : ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ.
وهذا التعبير يبيّن أنّ الذكر هو في كلّ الأحوال نوع من الإلتفات المستأنف للشيء الذي كان ساكناً في الذهن سابقاً ، سواء كان بعد النسيان أم لا ، وقد ورد «الذِكر» بمعنيين أيضاً في «مقاييس اللغة» : الأوّل إشارة إلى الجنس المذكّر في قبال الجنس المؤنث ، والثاني ما يقابل النسيان.
إنّ هذه التعابير القرآنية يمكنها أن تكون إشارة إلى ما ذكر أعلاه ، وهو أنّ الإنسان يدرك سلسلة من الحقائق عن طريق العقل ، كما ويحصل على القسم الأعظم من (ما ينبغي) و (ما لا ينبغي) الذي يعدّ من المستقلّات العقلية كحسن أنواع الإحسان وقبح أنواع الظلم والفساد ، لكنّ الشكّ والترديد يراود هذه البديهيات أحياناً بسبب وساوس الشياطين.
وهنا يأتي دور الأنبياء عليهمالسلام لمساعدة الناس وتأييد هذه الإدراكات العقلية ، إذ يبطلون مفعول هذه الوساوس ، أو بعبارة اخرى يعيدون هذه الامور إلى الأذهان.
بعض الفلاسفة كأفلاطون وأتباعه يعتبرون العلوم الإنسانية ضرباً من الذكريات ، ويعتقدون بأنّ الروح الإنسانية قبل نزولها إلى هذا العالم كانت تدرك كلّ هذه الحقائق ولكن حجب عالم المادّة تسبّبت في نسيانها (١) وبناءً على هذا فالتعلّم والتعليم سواء أكان عن طريق الأنبياء والرسل عليهمالسلام أم عن طريق التجربة وشرح الاستاذ لا تخرج عن كونها ضرباً من التذكّر والتذكير ليس إلّا.
ومن البديهي عدم وجود دليل واضح يدعم هذا الإدّعاء بهذه السعة ، بل الصحيح هو ما تقدّم أعلاه من أنّ قسماً من معلومات الإنسان تحصل عن طريق الفطرة أو العقل ، وأحياناً
__________________
(١) لمزيد من الإطّلاع راجع «سير حكمت در اروپا» ج ١ ص ٢٣ ، مبحث فلسفة أفلاطون (بالفارسية).