كونها سحراً ، تهرّباً من المسؤولية وتحاشياً للرضوخ لها ، وهو ما قام به بالضبط فرعون وأتباعه أيضاً في قبال موسى عليهالسلام ، حيث إنّهم وحتّى بعد مشاهدتهم لغلبة موسى عليهالسلام بمفرده على كلّ اولئك السحرة الماهرين المرتاضين وإيمان السحرة به ، والذي يدلّ بما لا يدع مجالاً للشكّ على إعجاز موسى عليهالسلام ، واعتماده على القدرة الإلهيّة ، لم يتنازلوا عن كلامهم أيضاً ، بل قالوا :
(إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِى عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ). (طه / ٧٠)
وكذلك يقول : (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ) (ليجبرهم على الإيمان). (الأنعام / ١١١)
وكذلك يقول : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَايُؤْمِنُوا بِهَا). (الأنعام / ٢٥)
كما يصرّح وفي معرض الردّ على طلبهم لمعجزات مختلفة ، بالقول : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ). (العنكبوت / ٥١)
مفهوم هذا الكلام هو أنّ المعجزة يجب أن تهدف إلى إثبات حقّانية دعوة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وأنّ هذا الكتاب السماوي «القرآن» هو أفضل دليل ومعجزة ، فما الداعي بعد كلّ هذا للإصرار على المزيد من المعجزات الواحدة تلو الاخرى؟
٣ ـ لا شكّ أنّ المعجزات هي من عند الله في الواقع ، وأنّ كلّ ما يملكه الأنبياء منها إنّما هو بإذن الله وأمره ، لكن ربّما يخطر على ذهن البعض أحياناً تصوّر بأنّ الأنبياء عليهمالسلام ، قد أصبحوا فيما يتعلّق بالمعجزات مصداقاً لـ «فعّال لما يشاء» ، وأنّهم يفعلون كلّ ما يريدونه ، وهذا ما ساعد على اتّساع رقعة الغلو في الأنبياء عليهمالسلام ودفع بالكثير إلى اعتبارهم كالإله ، ولهذا السبب لم يستجب الرسل والأنبياء عليهمالسلام الإلهيّون لما يقترح عليهم من المعجزات ، بل قالوا : إنّ هذا ليس من شأننا ، إنّما هو منوط بإذن الله وأمره ويجب أن نعرف ما هي إرادته.
الدليل على هذا الكلام هو ما نقرأه في قوله تعالى : (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِىَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ). (الرعد / ٣٨)
كما ورد نفس هذا المعنى بوضوح في قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ