ثالثاً ـ لا تتناسب هذه الفرضية بأي وجه مع الآيات القرآنية التي تتحدث عن الوحي ، لأنّ الأخيرة تقول بصراحة : الوحي نوع من الإرتباط بالله ، لا بالعقل الفعّال ولا عن طريق الإلهام بالقلب أو بواسطة ملك الوحي (الملك الذي هو وجود واقعي يظهر أمامه لا أنّه متولّد من القوّة التخيلية أو تأثير الحسّ المشترك) ، أو أنّه يسمع تلك الأمواج الصوتية التي أوجدها الله في جسم ما بأُذنيه لا أنّ للأصوات صبغة خيالية ومتولّدة من تأثير القوّة التخيلية أو الحسّ المشترك.
وبناءً على هذا فالفرضية أعلاه مردودة عقلاً ونقلاً.
* * *
النظرية الثانية ـ فسّر بعض الفلاسفة المعاصرين الوحي كأحد مظاهر الشعور الباطني.
يقول فريد وجدي في «دائرة معارف القرن العشرين» في مادّة «الوحي» : كان الغربيون إلى القرن السادس عشر كجميع الامم المتديّنة يقولون بالوحي ، لأنّ كتبهم مشحونة بأخبار الأنبياء فلمّا جاء العلم الجديد الذي فسر كل ظاهرةٍ تفسيراً مادياً ، ذهبت الفلسفة الغربية إلى أنّ مسألة الوحي من بقايا الخرافات القديمة ، وغالت حتّى أنكرت الخالق والروح معاً.
لكن بحلول القرن التاسع عشر الميلادي تغيّرت وجهة النظر في المسائل الروحانية وظهرت إلى الوجود ثانية مسألة الوحي ، إذ أعاد فريق من العلماء البحث فيها على قاعدة العلم التجريبي ، فتوصّلوا إلى نتائج وإن كانت غير ما قرّره علماء الدين الإسلاميون ، إلّاأنّها خطوة كبيرة في سبيل إثبات أمر عظيم كان قد نسب إلى عالم الخرافة» ، ثمّ يضيف قائلاً : إنّ المؤيّدين لمسألة الروح والمظاهر الروحية دوّنوا إلى الآن (زمن تأليف دائرة المعارف) خمسين مجلّداً ضخماً حول المطالب أعلاه ، وتمّ حلّ الكثير من المسائل الروحانية بها من جملتها مسألة الوحي (١)!
هذا نموذج من كلمات العلماء حول هذه المسألة إذ الكلام حولها كثير ، ولكن بالإمكان بيان خلاصة كلامهم كما يلي :
__________________
(١) دائرة معارف القرن العشرين ، مادّة (الوحي).