الجواب :
الظاهر أنّ المراد من الـ «نذير» في هذه الآيات هم الأنبياء العظام خصوصاً الأنبياء اولي العزم ، الذين شاعت سمعتهم في كل مكان ، وإلّا فهناك حجّة إلهية في كلّ زمان للمشتاقين والطالبين طبقاً لمختلف الأدلّة العقلية والنقلية التي بحوزتنا ، ولو اعتبرت الفترة ما بين المسيح عليهالسلام ونبي الإسلام صلىاللهعليهوآله فترة ركود وجمود ، فإنّما هي بسبب عدم ظهور نبي عظيم ومشهور ، لا عدم وجود حجّة إلهية مطلقاً.
ولذا يقول الإمام علي عليهالسلام حول هذا الأمر : «إنّ الله بعث محمّداً صلىاللهعليهوآله وليس أحد من العرب يقرأُ كتاباً ولا يدّعي نبوّة» (١).
على أيّة حال يستفاد من مجموع ما قيل أنّ عدد انبياء الله ورسله وعلى طول التاريخ كان كبيراً جدّاً ، وأنّ القرآن لم يشخّص لهم رقماً بالخصوص.
عدد الأنبياء الذين صرّح القرآن بأسمائهم يبلغ ٢٦ نبيّاً فقط وهم عبارة عن : آدم ، نوح ، إدريس ، صالح ، هود ، إبراهيم ، إسماعيل ، إسحاق ، يوسف ، لوط ، يعقوب ، موسى ، هارون ، شعيب ، زكريا ، يحيى ، عيسى ، داود ، سليمان ، إلياس ، اليسع ، ذو الكفل ، أيّوب ، يونس ، عزير ، ومحمّد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
وجاء في سورة الانعام اسم ثمانية عشر منهم ، يقول تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَّشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الُمحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ). (الأنعام / ٨٣ ـ ٨٦)
وجاء في سورة الأنبياء اسم كلّ من إدريس وذا الكفل : (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ). (الأنبياء / ٨٥)
__________________
ـ من سورة السجدة : (لِتُنذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) ، خير شاهد على هذا المدّعى ، في حين اعتبر البعض الآخر «ما» موصولة أو مصدرية ، لكن كلا هذين الإحتمالين ضعيفان حسب الظاهر ، والذي قيل إنّما على أساس المعنى الأوّل.
(١) نهج البلاغة ، الخطبة ٣٣ و ١٠٤.