يذهب وراء المرضى ، امّا لو راجعه أحدهم فلن يقصّر في علاجه ، امّا الرسول فهو كالطبيب السيّار الذي يطوي المدن والقرى والجبال والسهول والصحارى ، ويتوجّه إلى كلّ مكان ليتعرّف على المرضى ويشرع في علاجهم ، إذ هو في الحقيقة عين نابعة يسعى معينها وراء العطاشى ، وليس كمخزن الماء الذي يبحث عنه الظمئان!
الجمع بين هذا المعنى والذي سبقه هو في غاية السهولة ، إذ كلّما كانت المسؤولية أكبر كلّما كان استلام الوحي أوضح ـ وبعبارة اخرى فهناك تناسب طردي بين حجم المسؤولية وبين وضوح استلام الوحي ـ فالنبي يرى في المنام فقط أو يسمع صوت المَلَك ، أمّا الرسول فيعاين المَلَك في اليقظة أيضاً.
كما اعتبر البعض الرسل أصحاب شريعة جديدة امّا الأنبياء فليس من الضروري أن تكون لهم شريعة.
التأمّل في آيات القرآن يبيّن أنّ مقامي «النبوّة» و «الرسالة» قد جمعا في كثير من الموارد في شخص واحد ، مثل نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله الذي اعطي له كلّ من عنواني النبي وكذلك الرسول في الآيات القرآنية (١).
وكذلك الكثير من الأنبياء الإلهيين الآخرين كانوا يتمتّعون بمقامي النبوّة والرسالة ، (وبناءً على هذا فالذين يقولون بوجود نسبة العموم والخصوص المطلق بينهما ، إنّما ينطلقون من هذه الآيات).
لكنّهما ظهرا في بعض الآيات كمعنيين متقابلين وكأنّهما مفهومان متغايران ، كما جاء ذلك في قوله تعالى : (مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِىٍّ ...). (الحجّ / ٥٢)
إذ يجب أن يكون الرسول والحالة هذه مكلّفاً بالسعي لإبلاغ الرسالة الإلهيّة إلى الخلق
__________________
(١) نقرأ في سورة (الأعراف / ١٥٧) حول نبي الإسلام : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ) ، وجاء في سورة (الأحزاب / ٤٥) : (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) ، ونقرأ في سورة (مريم / ٥١) حول موسى : (وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مُوسى إِنَّهُ كَانَ مُخلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً) وفي نفس السورة الآية ٥٤ حول إسماعيل : (وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً ...) ، إذ يبدو من هذه الآيات أنّ كلا هذين المفهومين قد جمعا في شخص واحد.