الأجر والمكافأة الماديّة في مقابل دعوتهم إلى الله تعالى ودين الحقّ ، فنقرأ مثلاً في الآية الخامسة من آيات بحثنا حول أوّل نبي من اولي العزم أي نوح عليهالسلام : (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) كما أنّ هناك آيتين اخريين بنفس هذا المضمون قد وردتا في حقّ نوح عليهالسلام أيضاً (هود / ٢٩) و (يونس / ٧٢).
وفي حقّ «هود» في موردين (هود / ٥١) (الشعراء / ١٢٧).
وفي حقّ «صالح» في آية واحدة (الشعراء / ١٤٥).
وفي حقّ «لوط» في مورد واحد (الشعراء / ١٦٤).
وفي حقّ «شعيب» في مورد واحد (الشعراء / ١٨٠).
وأخيراً فقد تكرّر التأكيد على هذه المسألة في عدّة مواضع من القرآن في حقّ نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله : (الأنعام ـ ٩٠) (سبأ ـ ٤٧) (الفرقان ـ ٥٧) (ص ٨٦) (١).
على أيّة حال فإنّ تأكيد القرآن على مسألة أنّ أوّل كلام للأنبياء عليهمالسلام الإلهيين هو عدم انتظارهم لأيّة مكافأة في مقابل جهودهم ، وسلوكهم وأفعالهم تكشف عن إمكانية التعرّف عليهم من خلال هذه الخصلة.
إنّهم عليهمالسلام كانوا يقولون ذلك ويعكسونه من خلال سلوكهم وأفعالهم ، في حين إنّ المدّعي زوراً ربّما يقول مثل قولهم لكنّه لا يلتزم به عمليّاً أبداً.
ويحتمل أنّ ملكة سبأ أرادت اختبار سليمان عليهالسلام وهل أنّه نبي صادق أم ملك يبغي وراء تظاهره بالدعوة إلى الله تعالى منافع ماديّة ، فقالت : (وَإِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ). (النمل / ٣٥)
فإذا وافق سليمان عليهالسلام على الهدية وفرح بها لاتّضح أنّ له دافعاً ماديّاً ، بينما النبي من
__________________
(١) الجدير بالذكر هو أنّ القرآن الكريم يقول أحياناً في حقّ نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله : (قُلْ لَاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) (الأنعام / ٩٠) ويقول أحياناً : (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) (الفرقان / ٥٧) وفي موضع آخر يقول : (قُلْ لَاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى). (الشورى / ٢٣) ولا يخفى أنّ هذه الآيات بمجموعها تبيّن أنّ مسألة مودّة ذوي القربى إنّما تعود فائدتها إلى الناس ، وهذه في الواقع بمثابة ترعة تصبّ في خاتمة المطاف في نهر «الإمامة والولاية المنصوصة» التي عيّنها الله تعالى لهداية الناس وللعمل بتعليمات نبيّ الإسلام صلىاللهعليهوآله ، وبالنتيجة فكلّ منفعة تجنى من هذا الطريق إنّما تصبّ في خير الناس ولأجلهم.