هذا هو نفس ما نقل عن الإمام الصادق عليهالسلام في حديث أنّه قال : «ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم ، وحينما استفسر السائل عن كيفية ذلك؟ قال عليهالسلام قال إبراهيم : (فاسألوهم إن كانوا ينطقون فكبيرهم فعل ، وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئاً ، فما نطقوا وما كذب إبراهيم» (١).
كما أنّ نسبة إبراهيم عليهالسلام هذا العمل إلى كبير الأصنام إنّما جاء من باب الكناية ، التي هي أفضل من التصريح ، فلقد أراد أن يوقف عبدة الأصنام على خرافة عقائدهم عن هذا الطريق ، ويفهمهم أنّ هذه الأحجار والأخشاب الجامدة عاجزة حتّى عن التفوّه ولو بجملة واحدة وأنّها محتاجة إلى عبدتها ، فكيف يمكنها والحالة هذه من حلّ مشاكلهم؟
وبعبارة اخرى ، فالكذب إنّما يكون فيما لو لم تكن هناك قرائن تدلّ على أنّ المقصود كناية ، وهنا تشير كلّ القرائن إلى أنّ إبراهيم لم يكن جدّياً في كلامه هذا ، بل كان يسخر من أفكارهم ، وما أكثر أمثال هذه التعابير في المحاورات اليومية ، كما لو فرض وقوع سرقة ما في محيط محدود يقطن فيه أشخاص معينين ، وعند التحقيق ينفي كلّ منهم هذا الإتّهام عن نفسه ، فيقول المحقّق ، أنت لم تفعل هذا وذاك لم يفعله و... حتماً قامت به ملائكة السماء! وبديهي أنّ هذا الكلام لا يعتبر كذباً ، بل الهدف منه هو تكذيب أقوالهم الواهية التي لا أساس لها.
هناك احتمال ثالث أيضاً ، وهو أنّ جملة «بل فعله» مطلقة ، وهي في الواقع إشارة إلى تحليل منطقي مطابق لعقائد الوثنيين ، وهو أنّه : ألا تعتقدون أنّ حادثة تحدث داخل المعبد لا يمكن أن تكون بفعل من خارج المعبد ، وذلك لهيمنة الأصنام على كلّ شيء وكلّ فرد ، ومهما كان فهو داخل المعبد ، وحيث إنّ كبير الأصنام أكثرهم قوّة ومنعة ، بالإضافة إلى وجود الفأس في عنقه (يقال أنّ إبراهيم وضع الفأس على رقبته) ، فضلاً عن كونه الصنم الوحيد الذي لم يلحق به أي أذى.
إذن بناءً على هذا فالقرائن تشير إلى أنّه من فعل كبيرهم ، وهذا نظير التحاليل التي
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ج ٣ ، ص ٤٣٤ ، ح ٨٤ ؛ بحار الأنوار ، ج ١١ ، ص ٧٦ ، ح ٤ (باب عصمة الأنبياء).