وهنا يرد إشكال وهو : كيف نسب ابراهيم عليهالسلام عمله هذا إلى كبير الأصنام ، أليس هذا كذباً؟!
وفي نفس هذه الحادثة وعندما طلب منه المشركون الخروج معهم خارج المدينة للإحتفال بعيد الأصنام ، إعتذر من الذهاب معهم بقوله : (إِنِّى سَقِيمٌ). (الصافات / ٨٩)
ومع أنّه لم يكن مريضاً ، فكيف يتناسب هذا الكلام مع منزلة عصمته؟ كما نقرأ في القرآن الكريم أنّ إبراهيم يصرّح بأنّه يتمنّى غفران ذنوبه ويقول : (وَالَّذِى أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدِّينِ). (الشعراء / ٨٢)
ألم يكن هذا الإعتراف دليلاً على صدور الذنب من ذلك النبي العظيم؟
كما وأشكلوا عليه أيضاً أنّه عليهالسلام لماذا اتفق موقفه مع عبدة النجوم والقمر والشمس بالرغم من إيمانه الخالص المنزه من أي شائبة من شوائب الشرك حيث قال بمقولتهم «هَذَا رَبِّى». (الأنعام / ٧٦ و ٧٧ و ٧٨)
هذه هي المواضع الأربعة الواردة في القرآن المجيد والتي أثار كلّ واحد منها بدوره جدلاً حول منزلة وعصمة إبراهيم وتنزيهه من الذنب والمعصية.
* * *
الجواب :
ذكر كبار المفسّرين ورواة الحديث ادلة ومواضيع جمّة للإجابة عن هذه الإستفسارات الأربعة ، ولكن بعض تلك المطالب ليس لها أسانيد معتبرة ، والجواب الذي سنذكره هنا هو أنسب تلك الأجوبة وأكثرها اعتماداً :
أمّا فيما يتعلّق بالسؤال الأوّل ، فإنّ إبراهيم لم يقل : إنّ كبير الأصنام قد فعل هذا ، إنّما قال : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ).
هذه العبارة يمكن أن تكون من بابـ «القضيّة الشرطية» ، أي أنّ إبراهيم قد نسب هذا العمل إلى كبيرهم بشرط نطقهم ، ولا يخفى عدم وجوب الكذب في هذه القضيّة الشرطية.