وحاولوا أحياناً توسيع دائرة الإشكال فقالوا : لماذا لم يكشف يوسف عليهالسلام النقاب عمّا جرى له بسرعة ليطّلع اخوته على حقيقة الأمر وليوصلوا خبر حياته وعظمة مكانته إلى أبيه الشيخ؟ ، ليطمئن ويتخلّص من ألم الفراق الذي أضناه كثيراً ، فهل أنّ مثل هذا التصرّف يتناسب مع الوضع الذي كان يعيشه ذلك الأب المسنّ؟ ثمّ ما هي عقوبة السارق في ذلك الزمن ليبقى أخو يوسف عندهم كرهينة بتهمة السرقة؟ هل كان هذا حكماً إلهيّاً ، أم سنّة أهل مصر الخرافية؟ لو كانت سنّة أهل مصر ، فلماذا وافق يوسف على تطبيق هذا الحكم الجائر بحقّ أخيه؟
* * *
الجواب :
من الممكن العثور على أجوبة هذه الأسئلة بشكل واضح ، من خلال الآيات الواردة في سورة يوسف وقرائن اخرى.
أوّلاً : يبدو حسب الظاهر أنّ هذا الأمر قد تمّ بموافقة «بنيامين نفسه» (الأخ الأصغرليوسف) ، إذ إنّ آيات هذه السورة تشهد كاملاً على أنّ يوسف قد عرّف نفسه لبنيامين قبل ذلك ، فعلم بنيامين أنّ هذه الخطّة قد وضعها يوسف للإحتفاظ به عنده فوافق على هذه الخطة.
ثانياً : إنّ القائل : «إنّكم لسارقون» مجهول؟ غاية ما نعرفه عنه أنّه كان من حاشية يوسف عليهالسلام ، وحينما وجدوا الوعاء المخصوص داخل متاع أحد اخوة يوسف تيقّنوا من كونه هو السارق ، وبديهي أنّ ارتكاب عمل ما من قبل أحد الأفراد في مجموعة واحدة ، يُعرِّض كلّ أعضاء تلك المجموعة لخطاب : إنّكم قمتم بهذا العمل.
على أيّة حال فهذا الكلام والتشخيص إنّما يتعلّق بحاشية يوسف ولاعلاقة له به ، بل الشيء الوحيد الذي قام به يوسف هو وضع الوعاء في رحل أخيه لإثارة ذلك الإتّهام ، الذي كان السبب وراء خلاص وراحة أخيه الذي وافق على ذلك ، كما تقدّم.