قد كان بسبب وجود مبرر ، بل لأجل استحقاق واقعي لما تعطيه إياه.
وهذا معناه : أنه لا بد أن يكون مقدار وميزات الفعل الصادر من الأبرار ملحوظا في مقام العطاء ، ليصح أن يقال إن هذا في مقابل ذاك.
فالباء في قوله (بِما صَبَرُوا) إذن تفيد مقابلة هذا بهذا ، والتعويض به عنه ، وتفيد الآلية والتسبيب ، وأن الوسيلة إلى هذا الجزاء ، هي ذلك الصبر.
وهذا يقتضي : أن لا تكون هناك أية منة عليهم بهذا الجزاء ، لأنه أعطى في مقابل عمل .. وأن هذا العمل ليس عاديا بل هو يحتاج إلى صبر ، وتحمل ، وجهد ..
وبذلك يتضح السبب في : أن الله سبحانه قد استخدم نفس هذه الباء أيضا ، في قوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (١). وفي قوله : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ) (٢).
الجزاء مقابل الصبر ، أم مقابل العمل؟ :
وقد تحسن الإشارة إلى أنه تعالى قد جعل الجزاء هنا ، مقابل الصبر نفسه ، لا مقابل العمل الذي صبروا عليه ، ليشير بذلك إلى شدة معاناتهم ، وأنها قد بلغت حدا أصبح نفس فعلهم صبرا ، وأصبح الجزاء على نفس هذا الصبر ..
وقد جاء بكلمة (صَبَرُوا) بصيغة الماضي ، لعله ليشير إلى أن هذا الصبر هو فعل اختياري لهم ، وليس أمرا مفروضا عليهم .. فليس حالهم
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٤٥.
(٢) سورة الرعد الآية ٢٤.