خصوصية البيان القرآني :
وإن وصف ورسم وتصوير القرآن لهذه الدقائق والحقائق التي تتميز بها مفردات نعيم الجنة ، الذي استحقه أولئك الأبرار ، يظهر لنا حقيقة ، وخصوصية يمتاز بها البيان القرآني ..
وهي أن القرآن لم يعتمد في بيان الحقائق العقائدية ، والقضايا الإيمانية ، على مصطلحات تختص بعلم بعينه ، من بين سائر العلوم ، كمصطلحات علم الكلام ، أو علم الفلسفة ، الذي لا شك في ارتباطه الوثيق في الشأن العقائدي ، إلى حد أن من يمارس المسائل العقائدية لن تفاجؤه تلك المصطلحات ، وهي تتناثر عليه من كل حدب وصوب .. بل المفاجأة هي أن لا يجد ذلك ..
نعم ، إن القرآن حين يعالج قضايا العقيدة ، ويتصدى للتربية الفكرية والروحية في مجالاتها ، لا يهتم لتلك المصطلحات ، ولا لغيرها من مصطلحات سائر العلوم التي يهتم بها فريق من الناس ، بل هو حين يعالجها يتكلم :
أولا : باللغة العامة ، المشتركة بين البشر جميعا.
ثانيا : إنه حين يعرض قضايا العقيدة ، وغيرها من القضايا التجريدية ، فإنه يخرجها عن حالتها تلك ، ويحولها أولا إلى شأن حياتي ، ويجسدها كواقع عملي ، يهم الإنسان بما هو إنسان ، ويعنيه بصورة مباشرة ، ثم يقدمها إليه ليتلمّس فيها الخصوصية التي تعنيه ..
فتدخل إلى قلوبهم ، وإلى عقولهم ، وإلى نفوسهم بصورة طبيعية وعفوية ، ومن الأبواب التي تناسب القلب ، والعقل ، والنفس ، من دون أن يكون هناك أي حرج ، أو صعوبة ، بل هو يذلل كل الصعوبات ، ويزيل