أو من نفس حركة الفكر ، وإلا لكان يكفي في حصولها مجرد العبث. ولكان أكثر الناس عملا ، وجهدا جسديا وفكريا ، هم أعظم الناس لذة ، مع أن الأمر ليس كذلك ..
فإن الحقيقة هي أن اللذة إنما تنشأ من الشعور بأن بذل الجهد رافع للنقص ، محقق للكمال ، وللتناسق والانسجام في قضايا حساسة تهم الإنسان ، ويسعد بحصولها ، أو بكونها على حالة معينة ..
نعيم الأبرار :
ولتقريب هذا الأمر نقول :
لو أن أشخاصا دخلوا روضة غناء ، رائعة في مباهجها وفي مزاياها. وكان أحدهم رساما ، والآخر عالما ، والثالث تاجرا مثلا ، وهكذا .. ثم كان أحدهم ذكيا ، والآخر غبيا ، والثالث حساسا ، والرابع بليد الإحساس .. فإنك ستجدهم يختلفون في إدراك جماليات تلك الروضة ، وفي الابتهاج لها ، والتلذذ بها ..
كما أن موجبات اللذة لأحدهم قد تختلف عن موجباتها لغيره. فهذا يلتذ بالألوان ، وذاك يلتذ بحالات التناسق ، وثالث يلتذ بالأحجام الكبيرة ، وآخر يلتذ بدقائق الصنع ، ولطائفه .. وما إلى ذلك ..
وفي نفس السياق ، نقول : قد تكون لذة هذا بالأطعمة ، وآخر بالمبصرات ، وثالث بالمقامات ، ورابع بالرضا الإلهي .. وخامس بالحالات والكيفيات ، بل قد تكون اللذة لدى بعض الناس ، بالخضوع للآخر ، والانقياد له ، والعيش في كنفه ، وفي ظله ..
أضف إلى هذا وذاك : أن اللذة في الجنة إنما يصنعها لك عملك ، وجهدك ، ونواياك ، كما أن من خلال عملك هذا ، تتكون لك قابليات