وهل هناك سقوط وخذلان وإسفاف أعظم من هذا؟! ..
ولأجل ذلك جاء التعبير باسم الإشارة الذي قد يفيد التحقير في مثل هذه الموارد ..
«ويذرون» :
ويزيد وضوح هذا الأمر من خلال التعبير بكلمتي «يذرون» و «وراءهم» .. دون كلمة «يتركون» ، لأن كلمة ترك إنما يؤتى بها في مورد يكون للشيء خصوصية وأهمية ، ثم يصرف النظر عنه ، لسبب اقتضى ذلك ، فيقال : ترك.
وأما إذا لم يكن للشيء أية أهمية أو دور ـ بنظر هؤلاء ـ فالتعبير الأنسب عنه هو أن يقال : يذره. ولأجل ذلك قال تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (١). أي لا تشغل بالك بهم ، ولا تهتم لهم ، لأنهم لا يستحقون الاهتمام.
ولذلك قال هنا : يذرون من ورائهم ، أي يتركونه غير مكترثين به ولا مهتمين له ، بل إنهم لم يكونوا قد التفتوا إليه ، أو حصلوا عليه .. رغم أنه ثقيل ، ومهم جدا ، وهذا غاية في تصوير إسفاف هؤلاء الناس ، وسقوط آرائهم ، وخزيهم ، بسبب إيثارهم شهواتهم على كل شيء ..
«وراءهم» :
ثم تأتي كلمة «وراءهم» لتظهر المزيد من قباحة فعلهم هذا وشناعته ، ولو لا أنه سبحانه قد أراد الإلماح إلى هذا السقوط لكان بالإمكان أن يقول : ويذرون يوما ثقيلا .. وانته الأمر ..
__________________
(١) سورة المدثر الآية ١١.